أحزاب تسارع لنيل أصواتهم.. فلاحو “الكِيف”: هذا شرطنا للتوقف عن زراعته!

بعد المستجدات التي حملها مشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي، الذي أعاد إلى الواجهة مطالب الاستفادة من زراعة هذه النبتة، في خلق مشاريع تنموية في أقاليم شمال المملكة، لاسيما بعد قرار الأمم المتحدة، إزالة القنب الهندي من لائحة المخدرات المسببة الإدمان، نظرا لتوفره على العديد من الفوائد الطبية، الذي صوت المغرب لصالحه، وأمام تصاعد المطالب بالعفو العام عن آلاف المزارعين المتابعين على أرضية الملف، أطلق مواطنون بمدينة تاونات، مبادرة مطالبة بإسقاط المتابعات عنهم، مقابل التوقف عن هذا النشاط.

وقرر عشرات المواطنين بدواوير جماعة كيسان دائرة غفساي التابعة لإقليم تاونات، التوجه إلى السلطات العمومية، من أجل تقديم التزاماتهم بعدم العودة إلى زراعة القنب الهندي مجددا، مقابل إسقاط المتابعات القضائية في حقهم، في خطوة أولى من أجل التخلص من المتابعات، التي تطاردهم منذ سنة 2015، بعد حملة للسلطات بحرق محاصيل “الكيف” التي كانوا يزرعونها آنذاك.

وبالموازاة مع هذه الدينامية المدَنية التي أطلقها المتضررون، تفيد معطيات أن منتخبين محليين وأحزابا سياسية، تحاول الركوب على قانون تقنين زراعة القنب الهندي، من أجل استمالة آلاف الناخبين للتصويت لصالحها خلال الانتخابات المقبلة. وذكرت المصادر، أن العملية تعرفها أجزاء مهمة من الحسيمة ووزان وتطوان وتاونات والعرائش، وهي الأقاليم المعنية بالقانون الذي أرجأ المجلس الحكومي الحكومي، المنعقد يوم 25 فبراير الماضي، المصادقة عليه إلى أجل لاحق، رغم الترحيب الذي لاقاه من فئات واسعة رأت فيه مدخلا لرفع التهميش عن هذه المناطق.

استغلال سياسي 

تشير مؤشرات أن ملف زراعة القنب الهندي، لا يخلو من مأساة اجتماعية يعيشها الآلاف، وأصبح موضوع “استغلال سياسي” بين أحزاب سياسية، تسارع لاستمالة أصوات الناخبين، عبر تقديم نفسها في صورة المدافع الأول عن مصالحهم، وعن ضرورة إسقاط المتابعة عنهم.

ويشهد الملف مواجهة ساخنة بين أحزاب سياسية؛ أبرزها حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، اللذين يقدم كل منهما نفسه على أنه كان سباقا إلى إثارة الموضوع في البرلمان، عبر مقترحات القوانين التي تقدم كل منهما بها، وأبرزها مقترح العفو العام عن المتابعين.

وفي مقابل ذلك، يسعى حزب العدالة والتنمية، إلى استغلال الملف من جانب آخر عبر معارضته من بعد أخلاقي وديني، في محاولة لاستمالة شريحة انتخابية، على الرغم من التأكيدات على أن الترخيص لاستخدامه، لن يكون سوى للأغراض الطبية، خصوصا بعد فشل الحزب في الحفاظ على مواقفه في العديد من المواضيع الأخرى، ما يفسر عدم مصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون تقنين زراعة الكيف، نظرا للخلافات السياسية حوله.

 رفع المتابعات

بعيدا عن محاولات الأحزاب السياسية، يسعى مواطنون بآليات بسيطة إلى إنهاء مأساتهم الجماعية، إذ أطلقوا مبادرة مدنية، يلتزمون عبرها بعدم العودة إلى زراعة “الكِيف”، مقابل إسقاط المتابعات التي حولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق.

وحول ذلك أورد نور الدين البقالي، رئيس جمعية لوار للثقافة والتعاون والتنمية والرياضة، في اتصال هاتفي مع صحيفة “أمَزان24” أن الخطوة الأولى التي سيقومون بها، هي “جمع البطائق الوطنية، والتوجه إلى قائد المنطقة، من أجل تقديم التزاماتهم بعدم العودة لزراعة الكيف، مقابل إنهاء هذه المأساة الجماعية، التي تعيشها أكثر من 150 عائلة، عبر تراب الجماعة، بعد تسجيل متابعات في حق أرباب الأسر، الذين كانوا ينشطون في زراعة القنب الهندي”.

وأوضح البقالي، أنه في حالة عدم تجاوب قائد المنطقة، سيتم طرق أبوب أخرى، مشيرا إلى أن هؤلاء المواطنين يعيشون في حالة رعب مستمر، بسبب المتابعات التي تزامنت مع حملة قامت بها السلطات العمومية سنة 2015، لحرق محاصيل “الكيف” بالجماعة، مضيفا أن أغلب الأسر، توقفت بالفعل عن هذه الزراعة، لأنها لم تعد تقدم لهم أي أرباح، بل وتجني عليهم المتابعات فقط.

ويحكي البقالي كيف أن أغلب العائلات، المتابع أربابها بسبب زراعة القنب الهندي، تعيش في رعب مستمر، ذلك أنهم أصبحوا محرومين من التحرك بحرية، ومن الاستفادة من مجموعة من الحقوق، كما أنهم أصبحوا يعيشون قلقا مستمرا ترقبا لاحتمال اعتقالهم في أي لحظة، بسبب المتابعات في حقهم.

الأبناء أول الضحايا

يعد أبناء مزارعي “الكيف”، أول ضحايا المتابعات التي أطلقت في حق آباءهم، ما يؤثر في مسارهم الدراسي وعدد من حقوقهم. ويحكي نور الدين البقالي، أن أغلب الآباء لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس لمراقبة دراسة أبنائهم، خصوصا المدارس الإعدادية والثانوية المتواجدة في المراكز، خوفا من الاعتقال في أي لحظة.

والأكثر من ذلك، هؤلاء التلاميذ محرومون من الاستفادة من دعم “تيسير” بسبب عدم قدرة آباءهم على إتمام الإجراءات المتعلقة به، أو الذهاب لاستخلاصه، كما أن الكثير من الطلبة أبناء المنطقة، الذين ولجوا الجامعات، لا يستفيدون من المنح الجامعية والسكن الجامعي، والسبب دائما الخوف من الاعتقال أثناء إنجاز الوثائق اللازمة.

وفي السياق نفسه، أصبحت المتابعات تهدد حياة الأطفال الصغار، إذ في حال أرادت امرأة حامل الولادة في المستشفى، أو احتاجت سيارة إسعاف من أجل نقلها، يجد هؤلاء الآباء صعوبة بالغة في مصاحبتهم إليها، ذلك أن البطاقة الوطنية تكون مطلوبة في مثل هذه الحالات، ما يضطر بعضهم إلى الاستعانة بأفراد عائلاتهم من أجل نقلهم، وأحيانا تفضيل الولادة في المنزل، مع ما تنطوي عليه من أخطار قد تصيب الأم أو الجنين.

بطاقات تعريف قديمة!

من الحقائق الأكثر غرابة في هذه الجماعة بإقليم تاونات، أن عددا مهما من ساكنتها، مازالوا غير قادرين على تجديد بطائق التعريف الوطنية، ولحد الآن يملكون بطاقات تعريف قديمة، ولم يستطيعوا زيارة مقرات الأمن أو الدرك الملكي، من أجل القيام بهذه العملية، خشية اعتقالهم عند أول تنقيط.

ويتخوف المزارعون من تجديد البطاقة الوطنية، بسبب الرعب المستمر الذي يعيشونه، كما أنهم لا يستطيعون إنجاز أي من الوثائق الأخرى، التي يتطلب إنجازها زيارة مقرات الأمن أو الدرك، أو حتى تلك التي تسلمها الجماعات أو باقي الإدارات المتواجدة بمركز غفساي نواحي توانات، خوفا من أن ينتهي بهم المطاف في قبضة الأمن بسبب المتابعات.

ويسبب لهم الوضع ضياع حقوقهم وحقوق ذويهم، ومنها الحق في الملكية، وإنجاز مختلف الوثائق الإدارية أو التصويت خلال الاستحقاقات الانتخابية لاختيار ممثليهم، أو غيرها من الحقوق، ما جعلهم يسارعون الخطى للتفكير في الخطوات الممكنة من أجل إنهاء هذه “المأساة الجماعية”.

وتزداد هذه الصعوبة أكثر، مع حملة البطاقة الوطنية الإلكترونية الجديدة، التي أطلقتها وزارة الداخلية، ما يجعلهم متخفون من الذهاب لإنجازها، على الرغم من أن بعضهم مازال يمتلك البطاقة القديمة.

ممنوعون من التسوق

رغم أن هؤلاء الأشخاص، بجماعة كيسان بإقليم تاونات، المقدر عددهم بالعشرات، لم يتم اعتقالهم بعد، إلا أنهم يعيشون حرية “مبتورة”، بسبب العديد من القيود المفروضة عليهم، لأنهم مطلوبون لدى السلطات. ذلك أنهم لا يستطيعون مزاولة روتينيهم اليومي، حتى أصبح كثيرون منهم يفضلون السجن عوض التهديد المستمر الذي يعيشونه.

ولا يستطيع أغلب الآباء المتابعين، بحسب شهادات استقتها “أمَزان24″، الذهاب إلى السوق الأسبوعي المتواجد بمركز دائرة غفساي، من أجل اقتناء ما يلزمهم من حاجيات غذائية أو غيرها، ما يضطرهم إلى إرسال زوجاتهم للقيام بهذه المهمة عوضهم، ما يسبب لهؤلاء النساء إرهاقا شديدا بسبب حمل وزن ثقيل، بالنظر إلى المسافة التي تفصل مساكنهم عن السوق، بسبب تواجد عناصر الدرك الملكي فيه.

وما يزيد من صعوبة الوضع، أن هؤلاء الآباء لا يستطيعون الجلوس في المقاهي، بسبب القلق المستمر من إمكانية مداهمة المقهى من طرف السلطات وإلقاء القبض عليهم، الأمر الذي يجعل طقسا عاديا يتحول إلى “جحيم” من التخوفات المستمرة.

وأشار، رئيس جمعية لوار، إلى أن المواطنون بالفعل، يعيشون في تهديد مستمر بسبب هذه المتابعات، مطالبا بإنهاء هذا الوضع، لاسيما أنهم أبانوا عن حسن نيتهم بالتوقف عن زراعة القنب الهندي، وأنهم مستعدون للالتزام بعدم العودة إلى هذه الزراعة مجددا، مشيرا إلى أنهم سيطرقون الأبواب لحل الملف الذي يدخل عامه الخامس حاليا.

وتجدر الإشارة، إلى أن الوضع لا يقتصر على ساكنة جماعة كيسان بإقليم غفساي فقط، بل يشمل مئات المزارعين بالعديد من الجماعات المجاورة لهم، سواء بإقليم تاونات أو إقليم الحسيمة بمنطقة كتامة، ما يستوجب تدخل السلطات من أجل حل هذه الملفات، نظرا لتأثيراتها الاجتماعية والنفسية في العائلات والأطفال وفي حقوق المواطنين.

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.