على غرار الحسيمة وجرادة.. هل يُطيل بطء الحلول احتجاجات الفنيدق؟

على غرار ما حدث سابقا بإقليمي الحسيمة وجرادة، أصبح إقليم الفنيدق أمام احتمال كبير لاستمرار الاحتجاجات، بعدما اتضح أن تعامل السلطات، يشوبه بطء في تفعيل الإجراءات الاقتصادية، التي تم اقتراحها، إضافة إلى اعتماد المقاربة الأمنية التي مازالت محدودة إلى اليوم. ذلك أن المئات من ساكنة الإقليم، لم يخلفوا موعدهم للأسبوع الرابع على التوالي، مطالبين بفتح معبر سبتة وتقديم بديل اقتصادي للجهة.

وبينما غلب صوت الحكمة، الذي ترجمه إطلاق سراح معتقلين على خلفية الاحتجاجات بالفنيدق، والسماح بالاحتجاجات خلال الأسابيع الماضية دون التدخل لتفريقها رغم الظروف الصحية، أكدت مصادر محلية، أن احتجاجات الأسبوع الأخير (الجمعة 26 فبراير) عرفت اعتقال اثنين من المتظاهرين، ما قد يساهم في المزيد من تغذية هذه الاحتجاجات واستمرارها.

وساهم في اندلاع هذه الاحتجاجات، غياب رؤية استباقية من طرف ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة، التي يوجد على رأسها الوالي محمد المهيدية، وغياب حلول ناجعة من طرف المسؤولين والمنتخبين، في الوقت الذي حذر فيه حقوقيون وفاعلون من أن الوضع على وشك الانفجار، لاسيما أن ردة الفعل استغرقت أكثر من سنة، منذ إغلاق المعبر الحدودي لسبتة شهر أكتوبر 2019.

حلول بطيئة

يرجح مهتمون أن تستمر احتجاجات الفنيدق خلال الأسابيع المقبلة، رغم تأكيد السلطات المحلية إبرام 650 عقد عمل لصالح نساء متضررات من إيقاف المعبر، ويتوقع أن تصل 700 عقد عمل، إضافة إلى تخصيص 400 مليون درهم، لإنجاز سلسلة مشاريع، ضمن البرنامج المندمج للتنمية الاقتصادية لعمالة المضيق-الفنيدق وإقليم تطوان، ذلك أن هذه الإجراءات، على أهميتها، لا تشمل فئات واسعة من المتضررين، إضافة إلى أن نتائجها لن تكون منظورة في الأمد القريب.

وتنقسم المشاريع التي يقدمها البرنامج المذكور إلى ثلاثة محاور، تتمثل في إحداث منطقة للأنشطة الاقتصادية في مدينة الفنيدق، وبلورة آلية للتحفيز المالي لجلب الاستثمارات في منطقتي الأنشطة الاقتصادية “تطوان بارك” و”تطوان شور”، وخلق مبادرات اقتصادية تحفيزية، لمواكبة الشركات في إطار مهيكل، وتحسين قابلية النساء والشباب لولوج سوق العمل.

ويشكل بطء نتائج هذه الإجراءات، التي يقول متابعون إنها كانت متأخرة، في استمرار احتجاجات الفنيدق، التي تحركها الأزمة الاقتصادية، التي أصابت مئات العائلات، جراء إغلاق معبر سبتة، وإيقاف ما يعرف بـ “التهريب المعيشي”، الذي كان ينشط فيه الشباب والنساء على الخصوص.

ويطالب العديد من الفاعلين بالجهة، بتسريع الحلول الاقتصادية، خصوصا عبر اقتراح تشغيل الشباب في ميناء طنجة المتوسط، الذي أظهرت حصيلته الأخيرة، أنه يتميز برقم معاملات مهم، وخلق فرص عمل للنساء في بعض المعامل بالمناطق الصناعية بالمنطقة، كسبيل من أجل محاصرة قاعدة الأزمة، التي توسعت أكثر بسبب تداعيات الحجر الصحي، والتي كان من نتائجها توقف العديد من المحلات التجارية، وإفلاس الكثير من المقاولات، لاسيما الصغرى والمتوسطة.

وكالة تنمية عاجزة

تأسست وكالة تنمية أقاليم الشمال منذ سنة 1996، باعتبارها مؤسسة عمومية تابعة لوصاية رئيس الحكومة وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري. وفي الوقت الذي يروم عملها إبراز الأقاليم الشمالية للمملكة كنموذج تنموي مندمج جهويا، مع تقديم المنهجية المعتمدة لتدارك التأخر الحاصل، إلا أنها بقيت طيلة هذه السنوات دون الفاعلية المطلوبة، ما يطرح الكثير من الأسئلة حول نجاعتها، ويستدعي القيام بافتحاصها من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات.

وعلى الرغم من الميزانيات المهمة المرصودة لها، لإنجاز مهامها، المتمثلة في تطوير وتحسين ظروف عيش الساكنة، عبر إنجاز برامج تنموية اقتصادية واجتماعية مندمجة، وتقوية التنافسية للجهات الشمالية، عبر دعم الاستثمار والقطاعات المنتجة، وتثمين المبادرات المحلية للتنمية، عبر دعمها تقنيا وماليا، إلا أن وكالة تنمية أقاليم الشمال بقيت بعيدة عن أداء أدوارها، ما جعل ساكنة مجموعة من الأقاليم التابعة لها بدون نموذج اقتصادي، يغنيهم عن اللجوء للتهريب الضريبي أو أنشطة أخرى غير مشروعة.

ويغطي مجال تدخل الوكالة إحدى عشرة عمالة وإقليما تمتد عبر جهتين، وهي عمالات طنجة-أصيلة والفحص-أنجرة والفنيدق-المضيق وأقاليم تطوان والعرائش وشفشاون ووزان، وتازة والحسيمة وتاونات وجرسيف. وإذا كانت بعض هذه المناطق تنتعش بفضل النشاط السياحي الموسمي، فإن بقيتها يبقى بدون أي حلول اقتصادية، الأمر الذي يسائل دور هذه الوكالة الممولة من أموال دافعي الضرائب.

فشل مهيدية 

وجد الوالي محمد المهيدية، أبرز مسؤولي جهة طنجة تطوان الحسيمة، نفسه أمام مجموعة من الانتقادات، تتهمه بتكرار فشله، بسبب تأخره في معالجة الأزمة، التي ظهرت بالأقاليم الجنوبية، على الرغم من أنها كانت متوقعة من طرف العديد من الفاعلين المحليين، إضافة إلى أنه اتخذ مجموعة من الإجراءات خلال فترة الجائحة، ساهمت في تعميق أزمة الجهة، خصوصا عبر قرارات إيقاف مجموعة من الأنشطة التي تضرر مزاولوها.

وبينما كانت العديد من الجهات تدق ناقوس الخطر، محذرة من انعكاسات إغلاق المعبر الحدودي على أقاليم الجهة، ومساهمة الجائحة في المزيد من تأزيم الوضع، لم يتخذ الوالي المهيدية أي إجراءات لإنقاذ الوضع، كما أنه لم يبادر إلى إيجاد حلول لإقليم الفنيدق على الخصوص، إلا بعد اندلاع الاحتجاجات، رغم إبدائه تفهمه الاحتجاجات، ومسارعته إلى إطلاق مبادرات اقتصادية، وُصفت بأنها مهمة لكنها متأخرة.

العثماني يراقب

متابعو الوضع يلاحظون أن حكومة سعد الدين العثماني، بقيت تراقب الوضع من بعيد، كأنها غير معنية بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب أقاليم الشمال، مخولة كل السلطات لوالي الجهة. وعلى الرغم من أن العديد من القطاعات الوزارية تعد المعنية الأولى بهذا الموضوع، إلا أنه لم تصدر توجيهات من طرف رئيس الحكومة، الذي يبدو منشغلا بصراعات حزبه، للتدخل لإنقاذ وإطلاق مشاريع مذرة للدخل كل من موقعه ومسؤوليته.

وفي الوقت الذي تستمر فيه الحكومة في لوك الكلام، حول إنجازاتها تحت شعار “الإنصات والإنجاز”، الذي ما فتئ العثماني يردده بمناسبة أو بدونها، تجمع فرق المعارضة على هزالة إنجازات الحكومة وفشلها طيلة الولاية الحالية، في الوفاء بالتزاماتها تجاه المغاربة، ومنهم ساكنة الأقاليم الشمالية، الذين لم تخصهم بمشاريع مهمة تنزع فتيل الاحتقان الاجتماعي.

وبينما كانت الحكومة فاعلة في اتخاذ قرار إغلاق معبر سبتة، وإيقاف التهريب المعيشي، الذي كان يفوت على الدولة ميزانية مهمة، إلا أنها عبر مختلف وزاراتها المعنية، لم تتحذ الإجراءات الموازية للقرار، التي كان يفترض أن تخلق بديلا اقتصاديا وتحول دون خروج هذه الاحتجاجات.

ويحذر مجموعة من المهتمين من استمرار احتجاجات مدينة الفنيدق، بسبب بطء نتائج الحلول المقترحة ومحدوديتها، محذرين أيضا من النتائج العكسية لاعتماد المقاربة الأمنية التي مازالت محدودة إلى اليوم.

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.