محاكمة افتراضية لكورونا

*عزيز نداعلي وحميد

بعد إحالة المتهمة كورونا على أنظار المحكمة الافتراضية، وتعيين المحكمين من كل القطاعات الحكومية، التي أشرفت على تطويق الفيروس ومنع انتشاره من أطباء وبيولوجيين وصيادلة وخبراء اقتصاديين وغيرهم.. فتم تحديد جلسة بتاريخ لحاكمتها طبقا للقانون، حضر دفاع المتهمة ودفاع ذوي حقوق ضحايا المتهمة، وأدلوا بمطالبهم المدنية في موجهة المسؤول المدني وما يفيد أداء الرسم القضائي، وتلاوة ممثل النيابة العامة لقرار الاتهام.
وبعد التأكد من هوية المتهمة كورونا.. التمس دفاع المتهمة أخذ الكلمة لعرض بعض الدفوع الشكلية قبل الخوض في الموضوع، وأذن له الرئيس بذلك.


اسمحوا لي سيدي الرئيس أن أتقدم إلى معاليكم بدفع شكلي رامي إلى الطعن في محضر الاستماع إلى المتهمة لكونه لم يتضمن استعانة جهة الاستماع إلى مترجم لكون الفيروس أصله صيني واكتسابه لجنسيات مختلفة لا يغني من ضرورة الاستعانة بترجمان على الأقل يتحدث اللغة الإنجليزية، لترجمة تصريحاتها من اللغة الإنجليزية إلى العربية والعكس.

ومن جهة أخرى اسمحوا سيد الرئيس أن التمس من جنابكم الموقر ومن الأعضاء المحكّمين القول ببطلان محضر الاستماع لكون جهة الاستماع لم تشعر المتهمة بظروف اعتقالها وبحقها في التزام الصمت، وبحقها بالاستعانة بمحام لمؤازرتها، خرقا للمقتضيات القانونية الإجرائية المنظمة، ولكل هذه الأسباب ألتمس من المحكمة القول ببطلان محضر الاستماع والاقتصار على ما جاء أثناء مناقشة القضية أمام محكمتكم الموقرة.

قررت المحكمة ضم الدفوع الشكلية إلى الجوهر.

وبعد إشعار المتهمة بالتهم الموجهة إليها، اعترفت بالمنسوب إليها جملة وتفصيلا.
وأعطى الرئيس الكلمة لدفاع المطالبين بالحق المدني:

سيدي الرئيس، السادة أعضاء هيئة المحكّمين المحترمين، نؤكّد المطالب المدنية المقدمة ونضيف إن المتّهمة بجبروتها وطغيانها وصلت بها درجة الفتك إلى مستويات عليا، دون أن تفرق بين الشيوخ والشباب ومن يعانون من أمراض مزمنة ومن لا يعانون أي أمراض، حتى الأطفال لم يسلموا من جبروتها، وخاصة أن سرعة انتشارها واسعة، وأن خطورة الأفعال المقترفة من طرف المتهمة جعلت الكل يلتزم بالحجر الصحي، ودفع بالدولة إلى التدخل لفرض حالة الطوارئ الصحية.

سيدي الرئيس خطورة الأفعال المقترفة من طرف المتهمة لم تمس البشر فقط، بل لم يسلم منها الاقتصاد أيضا، فقد كبدت كبريات الدول جراء اغلاق الحدود وكبريات الشركات العالمية خسائر مالية مهمة مما حدا بالبعض على إعلان إفلاسه.
سيد الرئيس، إن مناط مسؤولية المتهمة هو الضرر الحاصل للمنوب عنهم وما ترتب عن إصابتهم بمرض كوفيد 19 جراء خطورة أفعال المتهمة كورونا، خاصة إذا اعتبرنا أن هذه المسؤولية مفترضة ولا يمكن إثبات عكسها لارتفاع درجة فتك المتهمة، ما أدى إلى وفاة بعض الضحايا، وأن ذوي الحقوق يطالبون جبر خاطرهم من جراء ما لحقهم من ضرر، كما أن بعض المتعافين من بين المنوب عنهم من مازال يعاني اضطرابات نفسية من تداعيات إصابته بالفيروس كوفيد 19 الذي سببته المتهمة.

سيدي الرئيس أدلي لسيادتكم بملف طبي متكامل عن كل الضحايا والتمس الحكم لكل واحد منهم بتعويض جبرا للضرر اللاحق مع إحلال المسؤول مدنيا في الدعوى.
وأعطى الرئيس الكلمة للمدعي العام.

سيدي الرئيس السادة المحكمين، إن المتهمة الماثلة أمامكم عاثت فسادا في مشارق الأرض ومغاربها، وكبدت كبريات الدول العديد من الأرواح، وعرت عن هزالة بنياتها الصحية، وأوقفت كل المحافل الدولية، والألعاب الأولمبية، وباقي الدوريات الرياضية، وألغيت بسبب تمردها وجبروتها الرحلات الجوية والبحرية، ودفعت بالكل إلى التزام بيوتهم وعدم مخالطة الأهل والأحباب – وخاصة أننا في شهر رمضان – والتزام التباعد الأسري.

سيدي الرئيس السادة المحكمين، إن إعلان حالة الطوارئ الصحية ومنع مغادرة البيوت إلا للضرورة القصوى، ورغم ذلك بلغ عدد المتوفين جراء خطورة أفعال المتهمة أكثر من 100 شخص، وأن كل الظروف المشددة التي أقرها المشرع في القانون متوافرة في نازلة الحال، من سبق الاصرار وترصد والتزي بزي التخفي وعدم الظهور، وانتشار مرض كوفيد 19 رغم عدم ظهور الأعراض الأولية في المصاب بحكم توفره على مناعة مما يجعل من عنصر سبق الإصرار ثابت في حق المتهمة.
سيد الرئيس لا ننسى أن نشيد بالدور المحوري الذي قامت به الأطقم الطبية وشبه الطبية ورجال السلطة والضابطة القضائية والوقاية المدنية باعتبارهم رجال المرحلة الذين واجهوا المتهمة في بداية طغيانها، وعلينا من هذا المنبر أن نشد على ايدي الجميع لما أبانوا عنه من حب للوطن ونكران للذات والتزامهم بضرورات الحجر الصحي بعيدا عن أبنائهم وعائلاتهم، ولا ننسى أن نترحم على أرواح الشهداء الذين طالتهم يد الفتك بسبب خطورة أفعال المتهمة.

سيدي الرئيس السادة المحكمين، التمس في ظل ما تم بسطه وأمام اعترافها القضائي أمام محكمتكم الموقرة، إيقاع أشد العقاب على المتهمة مع الأمر بانحسارها عن البلاد في أقرب وقت ممكن ومصادرة تيجانها لكل غاية مفيدة.

وأعطى الرئيس الكلمة لدفاع المتهمة ترسيخا لقناعتنا بالحق في الدفاع كأهم ضمانات المحاكمة العادلة ولو أنها افتراضية.
سيد الرئيس السادة المحكّمين المحترمين، أقف أمام محكمتكم الموقرة مؤازرا للمتهمة الماثلة في قفص الاتهام المسماة كورونا، لمتابعة بمقتضى صك الاتهام المضمن بين طيات الملف المعروض على جنابكم الموقر.

سيدي الرئيس الموقر وأعضاء هيئة المحكّمين المحترمين، قبل سرد وقائع القضية ومناقشتها من الناحية الواقعية ومدى انطباق نازلة الحال على النصوص القانونية المضمنة في صك الاتهام، لابد أن استعرض وإياكم ظروف المتهمة، فالمتهمة كورونا هي من فصيلة الفيروسات التي تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات البرد إلى الامراض الأشد خطورة، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة sars، وأن المتهمة هي المتسبب في انتشار مرض كوفيد 19، وأن الأبحاث وقفت على أن المتهمة كورونا المستجد جديدة، لأنها لم تكن معروفة إلا خلال نهاية شهر دجنبر من السنة الفارطة، بمعنى سيد الرئيس، أن حالة العود غير متوفرة في نازلة الحال، والتمس القول بعدم اعتبار حالة العود لانتفاء شروطها المتطلبة قانونا.

سيدي الرئيس السادة الأعضاء المحكّمين، نشيد من هذا المنبر بالأطقم الطبية والتمريضية الذين باشروا في الصفوف الأمامية كل التدابير والوسائل المتاحة لمنع انتشار المؤازرة كورونا على أوسع نطاق، ونفس الأمر ينطبق على رجال السلطة والوقاية المدنية وغيرهم من الفاعلين لمنع توسع المؤازرة، وكذلك كان بالنسبة للمشرع الذي بادر إلى سن مقتضيات للحد من تفشي المؤازرة كورونا، بتفعيل حالة الطوارئ الصحية ومنع التجمعات وإغلاق كافة المطاعم ودور العبادة وغيرها من الإجراءات الاحترازية، وخاصة إجبارية الكمامة، ومنح رخص استثنائية للخروج للضرورة القصوى، وتجريم أي خرق لهذه التدابير.

لكن سيدي الرئيس عدم انضباط العامة مع هذه الإجراءات والضوابط الاحترازية، وعدم اكتراثهم للحملات الإعلامية والرسائل المباشرة التي تقدمها السلطات الصحية للمواطنين كل يوم، جعل من توسع انتشار المؤازرة كورونا ملاذً لذلك، ولعل في بلاغات رئاسة النيابة العامة الذي أكدت على تحريك المتابعة في حق أكثر من 50 ألف شخص قاموا بخرق حالة الطوارئ الصحية دليلا قويا يمكن الاستناد إليه للقول بأن درجة الفتك لا تتحملها المتهمة فقط، غير أن خرق حالة الطوارئ الصحية لم يشفع للفاعلين في القطاع الصحي على الانبطاح للمتهمة، وإنما تصدوا لها بالصرامة والحزم اللازمين، وهذا ما جعلها تقف أمام محكمتكم الموقرة تلتمس عطفك عدالتكم.

سيدي الرئيس السادة المحكّمين المحترمين، معلوم من الواقع بالضرورة أن من جراء تداعيات المتهمة كورنا، الدخول في حالة الحجر الصحي، تعطيل عمل المرافق العامة والخاصة، وتضرر الاقتصاد بشكل واضح، وأن هذه التداعيات ستلاحق الاقتصاد الوطني حتى بعد أن تقرر محكمتكم الموقرة في القضية، وأن هذه التداعيات جعلت الكل يُراجع ذاته في علاقته بمفهوم الأسرة، والارتباط العائلي، وتجاوز السلوكيات المساعدة على انتشار المرض بشكل عام، دور النظافة بالماء والصابون من قيمة في حياتنا اليومية، فالنظافة من الإيمان، ولما لا استمرار هذه السلوكيات إلى ما بعد.

كما أرخت بظلالها سيدي الرئيس، أيضا في التفكير عن البدائل الممكنة والمتاحة لمواصلة استمرار المرافق العامة والخاصة لأعمالها، خاصة بعد تمديد حالة الطوارئ الصحية، وأصبحنا سيد الرئيس نلامس الخيوط الأولى لمحاكمة عن بعد باستعمال تقنية التواصل الإليكتروني والانترنيت، والتجسيد اللامادي لإجراءات أمام الإدارات والمؤسسات العمومية، وعقد لقاءات وندوات ومؤتمرات عن بعد بالاستعانة بتقنية التواصل vidéo conférence أو WhatsApp..

سيدي الرئيس السادة المحكّمين المحترمين، عرف كوكب الأرض خلال فترة الحجر الصحي وإعلان حالة الطوارئ الصحية، انخفاض التلوث البيئي بالعديد من المدن الاقتصادية، وأن صور الأقمار الصناعية أكدت على انخفاض في مستويات ثاني أوكسيد النيتروجين، وانخفاض في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري المسببة بالتبع لتوسع ثقب الأوزون، تزامن ذلك مع إغلاق المصانع الكبرى جراء حالة الطوارئ الصحية، وأن المتهمة هي جند من جنود الله، ولا يعلم جنود ربك إلا هو.

سيدي الرئيس السادة المحكّمين المحترمين لكل ما بسطنها، ولما للحق في الدفاع كأهم تجليات المحاكمة العادلة وأننا من خلال سعة صدركم وإحاطتكم بكل كبيرة وصغيرة في ملف القضية لمسنا اقتناعكم الوجداني، فإن المؤازرة كورونا تلتمس عطف عدالتكم.

وأعطى الرئيس الكلمة الأخيرة للمتهمة، ولم تضف أي جديد يذكر، وحجز ملف القضية للمداولة لجلسة 20 ماي 2020.

*باحث في الدراسات القانونية والقضائية

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.