دلهي بعيون مغربية.. من مكتب وزير الخارجية إلى أسواق المدينة القديمة
أكبر استثمار مغربي في آسيا يتمركز تحديدا في الهند. لكن هذا البلد الذي يعتبر قوة اقتصادية من القوى التي تقود العالم اليوم. ماذا تعرفون عن الهند إذن؟
كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا بالتوقيت المحلي لمدينة نيودلهي ذات الكثافة السكانية العالية جدا، إذ يتجاوز عدد سكانها حسب آخر الإحصائيات 21 مليون نسمة.
في صباح ذلك اليوم 12 أكتوبر المنصرم، في زيارة استمرت لعشرة أيام بدعوة من الخارجية الهندية، كان موظفو وزارة الخارجية يتوافدون على المطار في تلك الساعة المبكرة جدا من الصباح لاستقبال وفد إعلامي قادم من المغرب، واستقبلوا في الأسبوع الذي قبله وفدا من دول أخرى ككندا وأوربا الشرقية.
مدينة الازدحام و”الضباب”
شوارع واسعة لا تهدأ منذ ساعات النهار الأولى. قرب بناية البرلمان الهندي في قلب نيودلهي، يكاد المواطنون يعبرون همسا لقدسية المكان في مخيال الهنديين.
رجال أمن من مختلف القوات الهندية تحرس مداخل ومخارج الطرق المؤدية إلى اتجاهات المؤسسات الدستورية الكبرى.
في بناية وزارة الخارجية التي تطل على حديقة شاسعة في قلب المدينة، جرى لقاء بين الوفد الإعلامي المغربي وسوبرامانيا مجايشانكار، وزير الخارجية الهندية، ليعلن أن وزارة الخارجية الهندية تحرص على ربط علاقات وطيدة مع نظيرتها المغربية بخصوص اتفاقيات الاستثمار الهندي في افريقيا وتضع المغرب على رأس قائمة الدول التي توجه نحوها ملايين الدولارات من الاستثمارات.
وزير الخارجية شدد على أن السوق المغربية تبقى واعدة جدا بالنسبة للاستثمار الهندي، الحكومي والمرتبط برجال الأعمال الهنديين أيضا. وتطرق إلى موضوع الزيارات بين البلدين، موضحا أنه سبق له لقاء الملك محمد السادس في زيارة رسمية، ويطمح لكي يعزز المغرب “بحضوره القوي والوازن لما يمثله من ثقل في معادلة الدول الافريقية، للقمة الهندية الافريقية المزمع عقدها في بداية السنة المقبلة بالعاصمة المصرية القاهرة”.
وتجدر الإشارة إلى أن منح الحكومة الهندية للدول الافريقية وصلت إلى 600 مليون دولار في سنة 2015. بالإضافة إلى تفعيل ديون للدول الافريقية، تجاوزت 6.8 مليار دولار، بعد 2015.
وهذه الديون مخصصة أساسا لمشاريع لحكومات افريقية، حسب ما أفاد به مكتب الشؤون الافريقية التابع لوزارة الخارجية الهندية.
الهند تُجنّد الأفارقة
هناك مؤسسات حكومية تنشط في مدينة نيودلهي بتنسيق مع وزارة الخارجية الهندية. وتنشط في مجال الاستثمار في افريقيا وأيضا في مجال البحث العلمي.
أبرزها مؤسسة RIS (مؤسسة الأبحاث ونظام المعلومات للدول النامية)، والتي يرأسها سانشينشاتورفيدي. رجل كهل خبر عددا من التجارب في افريقيا وأشرفت مؤسسته على تدريب وتكوين أزيد من 50 ألف شاب افريقي عن طريق برنامج iLearn.
حيث جاء في مُجمل تصريح رئيس مؤسسة الأبحاث: “ونحن نطمح لتفعيل عدد من البرامج في المغرب. فقد كانت نيجيريا هي أول دولة افريقية نصل إليها. ولا نريد فقط أن تقتصر هذه البرامج على الدول الناطقة بالإنجليزية في افريقيا بل ركزنا أيضا على دول افريقية أخرى لغتها الأولى هي الفرنسية.
ونريد أيضا تشجيع الاستثمار في مجالات الطاقة والخدمات، خصوصا وأن الهند حققت خلال السنوات الأخيرة قفزة كبيرة في الاتصال الرقمي والذكي، ولدينا برامج مع دول افريقية في هذا الباب”.
الهند الأخرى..
غير بعيد عن مركز دلهي وخضرتها التي تبهر السياح، يمتد صف طويل من سائقي دراجات التك تك الشهيرة. 300 روبيز، هي ما سيكلفكم للانتقال من قلب نيو دلهي، الوجه الأنيق للمدينة، إلى الضواحي حيث تتربع دلهي القديمة على هكتارات من البنايات المزدحمة والأسواق الشعبية وباعة الأكلات السريعة والحلاقين الذين يحلقون ذقون الزبائن في الهواء الطلق.
يقول أحمد خان، وهو مواطن هندي مسلم: “لدينا هنا في الهند تسامح حقيقي بين المسلمين والهندوس رغم كل ما يمكنك أن تقرأه أو تشاهده في قنواتكم.
أنا أحببت في سن المراهقة فتاة هندوسية وعشنا قصة حب ربما سأكتب عنها يوما”. أخفض المُرشد أحمد خان بصره دلالة على الحياء من الخوض في موضوع الحب والإعجاب قبل أن يستدرك: “نحن حوالي 200 مليون مسلم في عموم الهند. ربما يكون المسلمون في مدن أو قرى أخرى يتعرضون للميز والتضييق بحكم أن الهندوس يمثلون الأغلبية (أزيد من 800 مليون نسمة) لكني أؤكد لك أن دلهي مدينة تجمع الجميع والكل يجري فيها خلف الرغيف”.
جولة داخل سوق الأثواب والتوابل، حيث السياح الأجانب يمتزجون بالمحليين ويلتصقون بهم ويتصبب الجميع عرقا نظرا لحرارة الجو في أكتوبر ومنتصف نوفمبر، تؤكد فعلا كلام محمد خان، وتبهر السياح داخل واحد من أقوى الدول المساهمة في اقتصاد العالم، والتي لا تزال تجمع بين كل المتناقضات.