الاسبان حاولوا دائما محو الماضي العربي لكنهم لم يستطيعوا

فسحة رمضان.. المغاربة في أعين الاسبان

ظلت صورة المغربي أو المسلم في الذاكرة الاسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492. وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات بحسب الظروف السياسية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية.

في سلسلة حلقات “المغاربة في أعين الاسبان” التي يعدّها ويترجمها الدكتور إدريس الكنبوري.. تعرض صحيفة “أمَزان24” أهم الصور التي ظهر فيها المغربي في المتخيل الإسباني من عام 1492، تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة، آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس، وعام 2002، تاريخ اندلاع أزمة جزيرة ليلى.

الحلقة الأولى: الاسبان حاولوا دائما محو الماضي العربي لكنهم لم يستطيعوا

أول بطاقة بريدية لقصر الحمراء في غرناطة تعود إلى القرن 17 وطبعها شابان إنجليزيان

من المستحيل تقريبا أن يتعرض أي باحث أو مؤرخ لتاريخ اسبانيا الحديثة، مع إلغاء الحضور القوي لكل ما هو عربي وإسلامي فيه، لأن الابعاد العربية والإسلامية متغلغلة في عمق تاريخ اسبانيا الحديث، بحيث لا يمكن الفصل بين ما هو عربي إسلامي وما هو اسباني، في جميع المستويات، في اللغة والثقافة والمعمار والطبخ وغيرها.

فاسبانيا تعد البلد الأوروبي الوحيد، الذي عاش طيلة ثلاثة إلى ثمانية عقود في عمق المحيط الإسلامي، بحسب الأقاليم التي بقي المسلمون في بعضها ثمانية قرون كاملة، إذ إن جميع الممالك الاسبانية التي عادت فيما بعد إلى حظيرة أوروبا، طبّعت بما يمكن تسميته “الحرب ضد الكفار”، أي المسلمين، كما أن هذه الممالك بقيت طيلة خمسة عقود تقريبا، موضع عدم استقرار بين انتمائها النهائي لأوروبا، أو تبعيتها لشمال إفريقيا، بسبب الرغبات المتوالية للمسلمين في استعادتها.

لقد تمت كتابة ورواية هذه العلاقات المتداخلة في التاريخ الاسباني الحديث بمختلف الطرق والأشكال، فلا “التركة” التي خلفتها ثمان مائة سنة التي استغرقها وجود المسلمين في الأندلس، ولا تركة ملوك الطوائف، ولا الحضور الاسباني لمدة خمسة قرون في شمال إفريقيا تم إلغاؤها من جانب واحد، رغم المحاولات المتعددة، ولم يتم التعرض لها تاريخيا بشكل كاف، كما لم تشكل موضوعا للنقد والتمحيص.

فبعض المؤرخين حاولوا القيام بمسح الطاولة، من أجل محو جزء من ذاكرة اسبانيا باعتبارها “أرض الكفار” في مرحلة معينة من التاريخ، باستثناء عندما يتعلق الأمر بتمجيد النصر الذي تم إحرازه بالقضاء على هؤلاء وإخراجهم من اسبانيا، والحيلولة دون سقوط أوروبا كلها تحت سيطرة “برابرة الجنوب”. فلا شيء من هذا جرى الحديث عنه، عدا على المستوى الرمزي، حين يتم التطرق إلى فارسين من اسبانيا المسيحية، مثل رودريغيو دياز دي فيفار، المعروف بـ “السيد” (1043-1099) وألونسو بيريز دي غوزمان (1256-1309)، اللذين كان الأول منهما مقاتلا من المرتزقة، والثاني محاربا في خدمة من يدفع، وعملا فترة محاربين في صف الجيش المسلم.

لقد تم الاعتراف بالتراث الثقافي للأندلس بشكل متدرج وهادئ، لكن بطريقة انتقائية ومتحولة بحسب الظروف الزمنية. لقد كان هناك بطبيعة الحال ما يمكن تسميته “متخيل المورو” الذي كان يظهر في صور متناقضة في الكتابات الأدبية والقصص التاريخي والصور والكليشيهات المشوهة الكثيرة، لكن الرغبة في معرفة هذا الماضي على الوجه الحقيقي له ظلت غائبة، وبعد القطيعة التي حصلت إثر طرد الموريسكيين في بدايات القرن السابع عشر، لم يتم الاعتراف بالكاد إلا بماضيهم، كما لم يتم تقدير حتى الأعمال الفنية الأكثر بروزا.

لقد كان مثيرا ذلك الدفاع الذي قام به كاسبار ميلتشور دي خوبيانوس (1744-1811) عن قصر الحمراء وجنة العريف التي بداخله، اللذين يعود الفضل في استعادة قيمتهما إلى الاهتمام الذي أثاراه لدى الشباب الأوروبيين خلال أسفارهم في “الجولة الكبيرة” (تطلق هذه الكلمة، التي يتم استعمالها بالفرنسية في اللغتين الإنجليزية والاسبانية، على السفر الكبير الذي كان يقوم به أنباء الذوات والطبقات العليا في أوروبا في القرنين 17 و18 لتطوير معارفهم المدرسية واكتشاف العالم).

وترجع أول البطائق البريدية التي تحمل صورا للمآثر العربية في غرناطة إلى شابين إنجليزيين في تلك الفترة، وقد جابت تلك البطائق أنحاء أوروبا، وأظهرت للأوروبيين ما تزخر به المدينة من مآثر تاريخية تعكس مرحلة الوجود العربي والإسلامي في اسبانيا.

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.