إنها أرواح البشر تغرق في البحر يا سادة الأحزاب!

*منير عشيبة

الهجرة بشكل عام مفهوم يشير إلى انتقال الإنسان، أفرادا وجماعات من موطنهم الأصلي إلى مكان آخر، للاستقرار فيه بشكل دائم أو مؤقت، بحثا عن مستوى أفضل للعيش والسكن والأمن، وهروبا من الأوبئة والمجاعات والاضطهاد والحروب… وقد ظهرت منذ عصور ما قبل التاريخ.

وبحكم الموقع الاستراتيجي للمغرب، على ضفتي البحر المتوسط والمحيط الأطلسي بالقارة الافريقية، التي تعاني من وضع اللاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، هذا الموقع القريب من القارة الأوروبية – المرسومة في مخيلة الأفارقة ومنهم المغاربة كذلك، على أساس أنها قارة الخلاص من هذا الوضع المأساوي- جعل المغرب بلدا للعبور، رغم محاولات الدولة المغربية الترويج للبلاد أنها مكان للاستقرار، لكونها لعبت دورا رياديا ومهما في التعاطي مع ملف الهجرة الغير الشرعية، أشادت به العديد من المنابر الإعلامية الدولية، إلا أنها لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، نظرا لجملة من الأسباب؛ من ضمنها عدم تحمل بعض الأحزاب السياسية مسؤوليتها، وخوفا من فقدان قاعدتها الحزبية في غالب الأحيان.

ويبدو أن الأحزاب السياسية المغربية لم تغير من جوهر خطابها الرسمي أي شيء، بل تجتهد لإقناع الشعب به، حتى إن كان غير صحيح أو كاذب. فبعد الدعاية المسعورة في السنوات الأخيرة، التي شنها البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تشجيعا على الهجرة السرية إلى الضفة الأخرى على متن قوارب الموت، وبغية الاتجار في أحلام الشباب الإفريقي والمغربي على حد سواء، ها هي ذي الأحزاب السياسية وعلى رأسها أحزاب الحكومة، التي تلبس في بعض الأحيان جلباب المعارضة، تنخرط في نفس السياق ونفس الخطاب، محاولة تضبيب الرؤية على الشعب المغربي بكونها تدافع عنه، حيث تلجأ إلى تبرير هجرة المغاربة نظرا لانعدام فرص الشغل وانتشار البؤس والفقر، لتستقي بذلك خطابا سوسيولوجيا بورجوازيا لا ينم عن تحليل علمي، ولا يقوم سوى بتفسير وشرح الأسباب ودوافع الهجرة، بدل البحث عن الحلول والسبل الممكنة، في ظل هذا الوضع المحرج الذي جعل من البحر المتوسط مقبرة جماعية، إنها أرواح البشر تغرق في البحر يا سادة الأحزاب!

أما المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإن مبلغها المالي المرصود لحل مشكل من هذا الحجم، إضافة إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية أخرى يبقى غير كاف. وعلاوة على ذلك، وما ينبغي أن تناقشه الأحزاب حسب اعتقادنا، إن كان لها ذرة من الإيمان بقضية الإنسان كما يقال، هو الإجابة على السؤال التالي: من يتحمل مسؤولية تهريب وتهجير الإنسان في قوارب الموت؟ هل هي مسؤولية الدولة المغربية لوحدها؟ أم مسؤولية مشتركة مع المملكة الاسبانية والإنجليزية؟ لماذا هذا التساؤل؟ لأن المسافة الفاصلة بين اسبانيا والمغرب هي مسافة بحرية قصيرة لا تتجاوز 15 كلم، ولأن الحدود البحرية المغربية أصبحت مرسومة، وقد حاول المغرب رسمها منذ تسعينات القرن الماضي، وهو الآن يؤكد عليها مجددا، والحدود الاسبانية البحرية مرسومة وواضحة كذلك، وإنجلترا ذكرناها على اعتبار أنها تحتل جبل طارق، ومتواجدة به وتراقبه، فضلا عن ألمانيا المتزعمة للاتحاد الأوروبي والمكلفة بالمراقبة الجوية.

من الواضح جدا وجود العديد من الأساطيل البحرية المجهزة بأحدث التقنيات والأجهزة، ومع ذلك يوجد مهرّبون ومتاجرون في البشر. فهل إمكانيات هؤلاء المهرّبين تتجاوز إمكانيات أربع دول، أم أنهم جميعا متورطين بشكل أو باخر في هذا التهجير الغير الشرعي؟

*باحث في سلك الدكتوراه

قد يعجبك أيضا
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.