منذ أكثر من أربعين سنة، بدأ العالم الفرنسي ديدييه راوول معركته ضد الأوبئة، فراكم بذلك خبرة كبيرة ومعرفة رصينة. وعلى الرغم من كل الانتقادات التي تعرض لها عالم الفيروسات الفرنسي الشهير، من طرف بعض زملائه، إلا أنه تشبث أكثر بطرحه وقال إنه وجد علاجا لفيروس كورونا، ووصف دواء يوجد بالفعل في الأسواق لمرضاه، متوصلا إلى نتائج مبهرة، ستعتمدها حكومات فيما بعد، وأثبت شفاء ثلثي الحالات التي أشرف عليها بدون مضاعفات.
ديدييه راوول، رجل لا يهادن شركات الأدوية، ولا الحكومات التي قصّرت في حماية شعبها، وهو في المقابل ليس رجل سياسة، لهذا لم يكتفي بالرد على الاتهامات التي وجهت له من علماء آخرين، بكونه يبحث عن الأضواء، بل جمع أطروحته في كتاب سمّاه “الأوبئة.. مخاطر حقيقية وإنذارات كاذبة”، مضيفا له عنوانا فرعيا “من إنفلونزا الطيور إلى كوفيد19”.
من هو ديدييه راوول؟
أصدر البروفيسور ديديي راوول مؤخرا، كتابا مثيرا للجدل باللغة الفرنسية اختار له عنوان: “الأوبئة.. مخاطر حقيقية وإنذارات كاذبة. من إنفولنزا الطيور إلى كوفيد 19”. قراءة العنوان وحدها تكفي لمعرفة الاتجاه الذي اتخذه هذا العالم المعروف في ساحة البحث العلمي الدولي.
وُلد البروفيسور ديديي راوول في 13 مارس 1952 في داكار بالسنغال، وعاد إلى فرنسا لإتمام دراسته ووُفق في مساره العلمي والاكاديمي مبكرا. ففي سنة 1984، أسس وحدة “ريكتيسا”، التي ذاع صيتها في أوساط الباحثين في فرنسا والعالم، والتي اعتُبرت نواة البحث العلمي المعمق في علم الميكروبات ومفخرة جامعة مارسيليا. نشط أيضا في مجال مؤسسات البحث المرتبطة بالصحة العامة، وألّف عددا من الكتب المهمة في علم الفيروسات باللغة الفرنسية، جرت ترجمة بعضها إلى اللغة الإنجليزية، وأثارت نقاشا واسعا في عدد من المجلات البحثية العالمية.
دواء كورونا المستجد!
منذ إعلان اكتشاف فيروس كورونا المستجد “كوفيد19″، كانت أغلب الأبحاث والأطروحات تشير إلى غياب لقاح أو دواء، وأن التجارب لم تتوصل بعد إلى مضاد حيوي.
لكن ديدييه راوول، مدير المعهد الاستشفائي الجامعي في جامعة مارسيليا، والمختص في علم الميكروبات، كان له رأي أخر سيخلق جدلا كبيرا، إذ قال إن دواء فيروس كورونا متوفر بالفعل، معلنا عن نجاعة دواء “الكلوروكين” في مواجهة هذا الفيروس، هذا الدواء معروف بين الأطباء منذ زمن طويل.
سرعان ما خرج البروفيسور راوول، ليعلن للصحافة الفرنسية “نهاية اللعبة” وانتصار أبحاثه على الفيروس، لكن ذلك جرّ عليه انتقادات واسعة، من هيئات دولية تجمع علماء الميكروبات والأحياء، خصوصا في تخصص محاربة المعلومات الكاذبة في المجال الصحي. وقالوا إن الدواء الذي أعلنه البروفيسور له آثار جانبية، تجنب البروفيسور تناولها في حديثه “المتفائل” للإعلام الدولي.
ووصل الأمر حد اتهامه بمحاولة سرقة الأضواء، لكن بعض الإعلاميين الفرنسيين تناولوا تحليلا مناصرا للبروفيسور ديدييه راوول، وقالوا إن هناك “غيرة” في الأوساط العلمية، كون البروفيسور الذي أنهى الجدل فرنسي يكتب كل أبحاثه العلمية باللغة الفرنسية.
خوف جماعي وشركات الأدوية
قال العالم ديدييه راوول إنه “في هذه المغامرة البحثية، أردت أن أكشف كذب الدولة، ولجوءها إلى ظاهرة الخوف الجماعي واستعماله للإعلان عن حرب ما، والسذاجة أيضا”.
وكشف أيضا أنه تعرض للكذب عبر المعلومات الأولية التي وصلته عن الوباء، قائلا “لقد اختبرت أيضا إحساسا بالمرارة، لأنني خلال فترة غير قصيرة، جعلت نفسي أقتنع أن هذه المعلومات التي كانت لدي فرصة الولوج إليها، هي معلومات حصرية وغير مُتاحة للعموم”.
وحتى عالم صناعة الأدوية، لم تسلم من انتقادات راوول الذي أطلق نيرانه حتى على مواطنوه، وأعلن أن الصحة العامة، ليست دائما أولوية بعض الجهات.
وحسب ديدييه راوول، فإن العالم مرّ بعدد من الأزمات الصحية والكوارث التي تسببت فيها الفيروسات، وتولت شركات الدواء تدبيرها بطريقتها الخاصة. ذلك أن هذا التهافت الدولي على دواء كورونا، والأبحاث التي يقال إنها لا تتوقف للوصول إلى علاج ناجع مائة بالمائة لفيروس كوفيد المستجد، ليست في الحقيقة مستجدة، حسب البروفيسور.
تناول ديدييه راوول أيضا مسألة الأدوية “غير العادية”. ليس في تركيبتها فقط وإنما أيضا في ظروف وسياق فرضها على المرضى، في إطار ما يمكن أن يُسمى، حسب “ديدييه” بالتجاهل العالمي للأمراض والقفز على السلامة العامة.
إن المرضى الذين يستهلكون أدوية معينة، هم في الحقيقة ليسوا إلا ضحايا لبعض لوبيات صناعة الدواء، الذين حاول البروفيسور ديدييه راوول محاربتهم.
تجربة طويلة في محاربة الفيروسات
أول تجربة لديدييه راوول في محاربة الأزمات والكوارث الصحية تعود إلى سنة 1983، إذ يقول في كتابه إنه شارك لأول مرة في مواجهة حمى انتشرت في أوساط البارسيين، كانت لتتحول إلى عدوى بمضاعفات أكثر خطورة، لكنه اكتشف أن الأمر لم يكن يتعلق إلا بحمى بمسببات عادية، تطورت جراء استعمال أطباء للأدوية الغلط، وهو ما جعل فيروس تلك الحمى يطور أسلوبه ويعطي مضاعفات أشد، ليعتقد الأطباء أنهم أمام وباء خطير للغاية وغير مسبوق.
ولام ديدييه راوول الصحافة الفرنسية، وقال إن “لو باريزيان” نشرت في تلك السنة، أي 1983 مقالات أشار إلى أنها زادت من القلق بخصوص الحمى.
ويقدم ديدييه راوول في كتابه العديد من التجارب التي عاشها مع الأوبئة، وكيف كان يتم التضخيم منها أو تستفيد منها شركات الأدوية، وذلك في كتاب يعطي عنوانه دلالة غزيرة على ما يحمله من رسائل.