منذ ظهور علم الأوبئة عبر التاريخ، نشأ محملا بالأسئلة. فعندما كان الناس قديما يطلقون أسماء مختلفة على الأوبئة ويفسرونها بالأشباح والأرواح الشريرة، سعى هذا العلم منذ بروزه إلى اكتشاف تلك الأشياء التي لا ترى بالعين، ولكنها تنخر الإنسان إذا ما تمكنت منه لتنتقل عبره إلى آخرين، كما هو تأثير فيروس كورونا المستجد الآن. درس علم الأوبئة أسبابها وربط النتائج بالعوامل، لينشأ كعلم مستقل وينتصب بمثابة جبهة دفاع تعادل جيوشا بأكملها.
محمد اليوبي رجل ظل وجنذي نذر نفسه ليتطوع ويكون في مقدمة هذه الجبهة. وكغيره من جنود الخفاء بالبلاد، كان اليوبي دائم المواظبة على عمله بمديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض، لا يبحث عن أضواء ولا عن شهرة زائفة. اليوبي رجل لم تُعرف له خرجات إعلامية من قبل، فهو إنسان اختار أن يحارب على جبهة مختلفة من جبهات الوطن، جبهة حساسة لا غنى عنها، وهي جبهة الصحة التي تعني الجميع على قدر التساوي.
بزوغ نجم اليوبي
مع ظهور وباء كورونا “كوفيد19” بشرق الكرة الأرضية وتحديدا بمدينة ووهان الصينية، كان العالم ينظر بعين المراقب البعيد، لكن سرعان ما جيّش هذا الوباء أسطوله ليبدأ رحلته القاتلة من الشرق إلى الغرب، فبدأ كل بلد يستنفر خطوطه الدفاعية، ومنهم من لم يتعامل بالجدية الكافية، فكانت الكوارث.
السلطات الصحية بالمغرب بكافة أجهزتها، ومنها مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض، بدأت تستنفر إمكاناتها لحرب وشيكة ستخوضها بنصف الإمكانات، فشكل المغرب لجنة للقيادة واستنفر طاقاته لينحني للعاصفة، فكان من بين أكثر الدول سبقا لوضع تدابير احترازية لوقف انتشار الوباء، من المراقبة في النقط الحدودية إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية، مرورا بتعليق الرحلات وغلق المساجد وغيرها من الخطوات.
هنا بالضبط في خضم هذه المواجهة، سيبزغ نجم محمد اليوبي باعتباره مديرا لمديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض، فقسم عمله ما بين متابعة الوضع والسهر على أدق تفاصيل الحالة الوبائية بالمغرب، بما تمليه عليه المسؤولية والأمانة العلمية، وما بين إيصال الفكرة لعموم المغاربة، وتبسيط المعقد العلمي، عبر لغة تجمع بين فصاحة ودارجة مغربية، مفهومة ومستوعبة من مختلف شرائح المجتمع.
محمد اليوبي، وعلى الرغم من صعوبة اللحظة التي يمر منها المغاربة في مواجهة الوباء، إلا أنه استطاع أن يحوز ثقة جزء كبير من المغاربة، كما تفوق في العملية التواصلية، التي لا تعتبر يسيرة في مثل هذه اللحظات. فليس سهلا أن تخبر الناس بأعداد الوفيات والمصابين، وأن تبعث فيهم بالمقابل ومضة أمل باجتياز المحنة.
منذ بداية أزمة كورونا بالمغرب، وقف اليوبي مخاطبا المغاربة، لا مهوّلا من الأرقام والمعطيات لإفزاع الناس، ولا مهونا من خطورة الوضع لزرع طمأنينة مغشوشة، بل خاطبهم بلغة العلم المحايدة والموضوعيّة. فلم يستبعد دخول الوباء إلى المغرب، على الرغم من الاحترازات الموجودة. وعندما بدأ تسجيل حالات إصابة وافدة لأجانب، كانت المديرية شرعت في مد السلطات بالأرقام والمعطيات، التي تسند القرارات التي ستتخذها الدولة، وهي الإجراءات الاحترازية التي تصاعدت بتصاعد الأزمة الوبائية.
من هو محمد اليوبي؟
محمد اليوبي يعيش حاليا بمدينة الرباط رفقة عائلته، وفتح عينيه بمدينة فاس، وفيها درس السلك الابتدائي والإعدادي والثانوي حتى حصل على شهادة البكالوريا في العلوم التجريبية عام 1983 بثانوية مولاي رشيد بفاس.
التحق بعدها بكلية الطب والصيدلة بالرباط، ليخرج منها حاصلا على دكتوراه في الطب عام 1991. حصل على المؤهلات الوطنية في الطب الوقائي والصحة العامة والنظافة العامة، كما حصل على ماجستير في وبائيات الصحة العامة من المدرسة الوطنية للصحة العمومية بالمغرب.
بالرجوع إلى مساره وتكوينه، نجد اليوبي استفاد من دورات تدريبية عديدة وحضر موائد مستديرة ومؤتمرات ساهمت في تكوينه أكثر، ومنها دورة دولية في علم الأوبئة التدخلية في معهد تطوير علم الأوبئة التطبيقي (IDEA) ، بمؤسسة Mérieux في فرنسا عام 2002، بالإضافة إلى دورة مغربية في التدخّل في علم الأوبئة عام 2002.
كما حضر اليوبي ندوة وطنية حول الإدارة والقيادة، ثم الندوة الدولية لمنظمة الصحة العالمية حول البرمجة القائمة على النتائج عام 2005، علاوة على العديد من الندوات وأوراش العمل الدولية المتعلقة بالرصد والمراقبة الوبائية والأمراض السارية تحت رعاية منظمة الصحة العالمية. تكوّن اليوبي أيضا في ورشة عمل عن تقنيات التواصل بين الأفراد في عام 2001، ثم العديد من الندوات وأوراش العمل التدريبية لمختلف برامج الصحة العامة.
شغل اليوبي عبر مساره عدة مناصب، آخرها منصبه الحالي على رأس مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض، كما شغل من قبل منصب كبير أطباء قسم الأمراض المعدية في المديرية نفسها، واشتغل أيضا رئيسا لوحدة علم الأوبئة والمراقبة الصحية في المعهد الوطني للصحة (INH) من شبتمبر 2012 إلى فبراير 2015، كما اشتغل نائب مدير المعهد الوطني لحقوق الإنسان من سبتمبر 2008 إلى سبتمبر 2010.
محمد اليوبي اشتغل كذلك رئيس دائرة المراقبة الوبائية بمديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض من ديسمبر 2005 إلى سبتمبر 2008، ودكتور في خدمة المراقبة الوبائية بمديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض من فبراير 2004 إلى نوفمبر2005.
اليوبي رجل جمع بين علم دقيق وهو علم الأوبئة والطب، وتقنيات متشعبة تربط بين فن التواصل والقيادة، إضافة إلى مسار مهني حافل، وكلها معطيات ساهمت في جعله رجل المرحلة بامتياز، على أمل أن تمر محنة كورونا “كوفيد19” بأقل الخسائر الاقتصادية والبشرية.