بميزانية خيالية.. هكذا فشلت مشاريع “ميد زيد” التابعة لـ “CDG”
رغم الميزانيات الهائلة التي ترصد لها، باعتبارها تابعة لصندوق الإيداع والتدبير المعروف اختصارا بـ “CDG”، مازالت إنجازات شركات “ميد زيد” الناشطة في مجال خلق المناطق الصناعية بالمغرب دون المستوى المطلوب، ذلك أن جل مشاريعها فشلت في بلوغ الأهداف المرسومة لها، الأمر الذي استدعى تدخل “جهات عليا” لإنقاذ بعضها من الفشل، عبر إقناع الشركات والمقاولات للالتحاق بها.
المعطيات تشير إلى أن جل المشاريع التي نفذتها “ميد زيد” لم تبلغ غاياتها، وظلت مهجورة من طرف المقاولات والشركات نظرا لأسباب متنوعة، منها أن أغلب هذه المشاريع لم تراعي قبل إنجازها جانب التخطيط المحكم، ودراسة الجدوى اللازمة لنجاح هذه المشاريع، إضافة إلى أنها افتقرت إلى التسويق الكافي، وإلى آليات إقناع رجال الأعمال للالتحاق بالمناطق التي تنجزها، خصوصا المستثمرون الذين يتوفرون على معامل وشركات تؤدي دورها كما ينبغي.
“ميد زيد” التي تنوع أنشطتها ما بين الأنشطة الصناعية والأنشطة الموجهة للتصدير، والتي أنجزت منذ تأسيسها ما يناهز 17 منطقة، تتوزع على سبع جهات من المملكة، وعبر مجموعة من المدن، تكلف مشاريعها ميزانيات ضخمة من الأموال العمومية بطريقة غير متناسبة مع النتائج المحصل عليها، ما جعل قضاة المجلس الأعلى للحسابات يلتفتون إليها عبر رصد الاختلالات الكبيرة في عملها.
وارتبط فشل شركة “ميد زيد”، التابعة لـ “CDG”، بفشل العديد من البرامج والمخططات التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة، أبرزها المخطط الفلاحي “المغرب الأخضر”، الذي تم تعويضه بعد فشله بمخطط “الجيل الأخضر”، إضافة إلى مخطط “المغرب الأزرق” الهادف إلى التنمية السياحية، الذي أكدت جهات رسمية فشله هو الآخر في بلوغ أهدافه، ما يسائل أوجه مساهمة الشركة في فشل سياسات عمومية التهمت الملايير من الميزانية العامة للبلاد.
جهات عليا تنقذ مشاريع
المعطيات التي حصلت عليها صحيفة “أمَزان24″، تشير إلى أن مناطق تم خلقها من طرف شركة “ميد زيد” لم تحقق أهدافها، وأبرزها مشروع منطقة “أكروبول” الخاص بالصناعة الغذائية بمكناس، إضافة إلى مشروع “هاليو بوليس” الخاص بالصناعة المرتبطة بالصيد البحري بمدينة أكادير، ذلك أن الإقبال على المشروعين بقي ضعيفا من طرف رجال الأعمال.
المصادر ذاتها، أوردت أن عدم إقبال رجال الأعمال والشركات على هذه المناطق، خلّف استياء كبيرا لدى جهات عليا، بسبب ضعف عمل مسؤولي شركة “ميد زيد” وعدم تسويقهم هذه المناطق التي يراهن عليها المغرب في تقوية اقتصاده، الأمر الذي اضطر مسؤولين كبار للدخول على الخط من أجل إقناع شركات بالالتحاق بهذه المناطق، مقابل العديد من الامتيازات على مستوى أثمنة بيع المساحات والضرائب وغيرها، لاسيما فيما يخص مشروع “هاليو بوليس” الذي كان على وشك الإفلاس.
مشاريع كبرى تواجه الفشل
من بين أكثر مشاريع “ميد زيد” التي تواجه الفشل الذريع، تلك المرتبطة بمجال الصناعات الغذائية، وأبرزها مشروع “أغروبول مكناس”. هذا الأخير الذي أفادت مصادر أنه لم يحقق المراد منه بعد سنوات من إنجازه، رغم التصريح السابق لعمر اليازغي، مدير “ميد زيد”، الذي تم تعينه مديرا لفرع صندوق الإيداع والتدبير “CDG Dévelopement”، الذي يفيد بأن 35 شركة اشترت تجزئات بالمنطقة، بسعر يتراوح بين 25 و45 دولارا للمتر المربع.
المنطقتان الصناعيتين “أغروبول أكادير”، التي تقع على مساحة 75 هكتارا، و”أغروبول بركان” شرق البلاد، عرفتا كذلك ضعفا في وصول إلى النتائج المرغوبة، رغم أن المدينتين معا تعرفان نشاطا فلاحيا كبيرا. ذلك أن مجموعة من المستثمرين لم يجدوا أسباب مقنعة تدفعهم إلى ترك معاملهم والالتحاق بالمناطق التي تنجزها “ميد زيد”.
ويفسر مستثمرون أن عدم الإقبال على هذه الشركات، يرجع بالأساس إلى أنها بعيدة على الأراضي التي توفر المواد الأولية، وتكلفهم مصاريف إضافية، فيما يخص نقل هذه المواد وأيضا اليد العاملة، ناهيك على أنهم يجدون أثمنة هذه المساحات، رغم التخفيضات المقترحة، مرتفعة الثمن، خاصة أنهم يتوفرون على معامل تغنيهم على الالتحاق بها، الأمر الذي يسبب فشل المناطق التي تخصصها “ميد زيد” للصناعات الغذائية.
ورغم تأكيدات مسؤولي “ميد زيد” على عملهم على منع المضاربات في هذه المناطق، إلا أن مصادر مطلعة، تؤكد أن صفقات عرفت عمليات مضاربة بين الشركات، الأمر الذي يساهم في رفع ثمنها، إضافة إلى زيادة نفور رجال الأعمال والمستثمرين منها.
“ميد زيد” بعيون مجلس الحسابات
كان المجلس الأعلى للحسابات، سباقا إلى لفت الانتباه، وكشف مجموعة من الاختلالات في تدبير “ميد زيد” للعديد من المشاريع، خلال افتحاص صندوق الإيداع والتدبير سنة 2018، سواء على مستوى الحكامة او تدبير الموارد.
وكان المجلس قد كشف في تقريره أن شركة “ميد زيد”، تبنت سياسة مصاحبة السلطات العمومية في تفعيل المخططات والبرامج الوطنية والجهوية لتطوير الصناعة المندمجة، على مستوى مناطق الانشطة الصناعية، إلا أن عملها عرف مجموعة النقائص.
النقائص التي تحدث عنها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، تخص مستوى تهيئة مناطق الأنشطة الصناعية، وأكدوا عدم قيام الشركة بدراسة السوق لعدة مشاريع، منها “افزي” و”ميدبارك” والمنطقة الصناعية لأيت قمرة بالحسيمة، ومناطق بوجدور وسلوان، وغياب دراسة التموضع لمشروعي “هاليو بوليس” و”اكربول اكادير”كما سجل المجلس غياب مذكرة التفاهم الخاصة بالمشاريع آيت قمرة، وبوجدور “هاليو بوليس”.
ولاحظ المجلس الأعلى للحسابات، في وقت سابق، فشل في تسويق المجمعات الصناعية المندمجة، مفيدا أن النسبة العامة للتسويق بالمحطات الصناعية بلغت 71 في المائة، سجلت نسبة 41 في المائة بتكنوبول وجدة، و37 في المائة بالمنطقة الصناعية لسلوان و38 في المائة بالمنطقة الصناعية لآيت قمرة بالحسيمة.
ووقف تقرير المجلس الأعلى، عند الضعف الكبير في نسبة تثمين المساحات، التي تم تسويقها، إذ تم استغلال 187 من أصل 459 تم تسويقها أي بنسبة 41 في المائة على الرغم من تجاوز الآجال التعاقدية لبداية الاستغلال.
غياب تشجيع الشركات الصغرى والمتوسطة
ما يعاب على عمل شركة “ميد زيد” أيضا، أن جل خدماتها لا توجّه نحو المقاولات الصغرى والمتوسطة، رغم من أن توجهات البلاد، تؤكد على أهمية هذه المقاولات. ذلك أن هذا الصنف، لا تستطيع ولوج المناطق الصناعية التي تقيمها الشركة بسبب ارتفاع سعرها، وبُعدِها عن المجال الحضري، وصعوبة الإجراءات، الأمر الذي يساهم في عزوفها هي الأخرى، فتبقى مساحات كبيرة ضمن هذه المناطق الصناعية فارغة دون أن تستفيد منها المقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تلجأ إلى معامل سرية داخل المناطق السكنية تنعدم فيها شروط الصحة والسلامة.
المفارقة الكبيرة الموجودة بين مساحات فارغة داخل المناطق الصناعية وانتشار المعامل السرية، تطرح الكثير من الأسئلة حول نجاعة عمل “ميد زيد”، لاسيما أن مئات الشركات والمقاولات الصغرى والمتوسطة، سبق أن وجهت طلبات من أجل إقامة مناطق صناعية خاصة بها، معبرة عن استعدادها دخول هذه المناطق والاشتغال في نطاق القانون.
وكانت فاجعة طنجة التي راح ضحيتها 29 عاملا وعاملة غرقا داخل معمل غير قانوني، يشتغل على مرأى ومسمع من السلطات والساكنة، قد كشفت الآثار الفعلية للمفارقة السابقة التي تساهم “ميد زيد” في تكريسها.
ميزانيات هائلة لمخططات فاشلة
منذ تأسيسها بداية الألفية، استثمرت شركة “ميد زيد” ميزانية خيالية ناهزت 1.2 مليار دولار في إنشاء 1700 هكتار من مناطق النشاط، ضمنها ألف هكتار موجهة للصناعة، و270 ألف متر مربع من المكاتب لإيواء أنشطة ترحيل الخدمات (أوفشورينغ) في الدارالبيضاء والرباط وفاس ووجدة، إلا أن الحصيلة بقيت غير مشجعة.
جزء من فشل “ميد زيد”، مرتبط بمواكبتها كل المخططات التنموية القطاعية التي أطلقها المغرب خلال العشرين سنة الأخيرة، منها تلك التي وصلت نتائج مخيبة للآمال، عبر تهيئة وإنشاء وتدبير مناطق نشاط متخصصة، بداية بمرافقة مخطط المغرب الأزرق للنهوض بالسياحة منذ 2002، ثم مخطط إقلاع الصناعي في نسختيه، الأولى في 2005 والثانية في 2007، ومخطط المغرب الأخضر لتنمية القطاع الزراعي، ومخطط أليوتيس لتنمية الصيد البحري، ومخطط رواج لتنمية أنشطة التجارة والتسوق، ومخطط تنمية الطاقات المتجددة.
ويعد مخطط المغرب الأزرق، من أبرز هذه المخططات التي لاقت فشلا ذريعا، ذلك أن المغرب دشن سنة 2001 سياسة ساحلية جديدة من أجل الرفع من عدد السياح، وأطلق سنة 2010 مشاريع استثمارية بميزانيات ضخمة لإنشاء ستة منتجعات سياحية بكل من السعيدية، وخميس الساحل بالعرائش، والجديدة، وموكادور بالصويرة، وتاغزوت بأكادير، والشاطئ الأبيض بكلميم؛ لكنها لم تحقق الأهداف المرجوة منها.
ومن أسباب فشل هذه المحطات السياحية الشاطئية، بحسب وزير السياحة السابق محمد ساجد، أنها تمت دون ربطها بمحيطها الترابي والمؤهلات المجاورة التي تزخر بها المناطق التي أقيمت فيها، وهو من الأخطاء التي جعلت هذه المشاريع لا تعرف نجاحات كبيرة، إذ لم يعط لهذه المحطات السياحية العمق التاريخي والثقافي حتى تتمكن من تحقيق الإقبال والنجاح، وفق تصريح سابق لساجد.
الأمر ذاته عرف مخطط “المغرب الأخضر” الذي لقي فشلا كبيرا، فبعد سنوات من تنفيذه ورصد ميزانيات ضخمة له تم الوقوف عند اختلالات خطيرة فيه، ومنها تعميقه للهوة بين الفلاحين الكبار والصغار، ذلك أن أغلب ميزانياته لم يستفيد منها إلا الفلاحين الكبار، كما أن مشاريع خلق وحدات التثمين الزراعية التي ساهمت فيها “ميد زيد” لقيت فشلا كبيرا هي الأخرى، وهي الاختلالات التي تسعى الوزارة المعنية إلى تجاوزها عبر مخطط “الجيل الأخضر”.