هل غياب مناطق صناعية خاصة بشركات صغرى سبب في انتشار المعامل السرية؟
عرّت فاجعة طنجة، الغطاء عن واقع انتشار المعامل “السرية”، التي تنتمي إلى القطاع غير المهيكل بالمغرب، الذي يشكل نسبة مهمة من الاقتصاد المغربي ويشغل فئات واسعة، تقدر بحسب تقرير أصدرته المندوبية السامية للتخطيط بـ 2.5 مليون.
في المقابل، تشير المعطيات، إلى أن نسبة خطورة الحوادث في القطاع غير المهيكل مرتفعة، ما يطرح أسئلة حول استمرار الظاهرة. وبينما يُرجع أصحاب المصانع “السرية”، الأسباب إلى غياب مناطق صناعية مخصصة للشركات المتوسطة والصغرى، تذهب تصريحات رسمية إلى أن الحجة واهية.
وفي الوقت الذي يؤكد العديد من أصحاب المعامل، التي تشتغل خارج القانون، وتستغل أماكن عمل لا تتوفر على شروط السلامة الصحية، أن السبب الرئيسي في لجؤهم إلى هذا الخيار، هو غياب الدعم الحكومي، وتسهيل إدماجهم في المناطق الصناعية، يؤكد مسؤولون أن الأماكن متوفرة لهذا النوع من الشركات، لكن الطلب عليها يكاد ينعدم، الأمر الذي يطرح الأسئلة حول الأسباب الحقيقية لاستمرار هذه الظاهرة، التي تسبب الكثير من الفواجع.
المناطق الصناعية.. انعدام الطلب
وحول إرجاع السبب لغياب مناطق صناعية، كشف محسن السمار، عضو مجلس إدارة شركة “ميد زاد”، لصحيفة “ميديا24” الناطقة بالفرنسية، “لقد عملت في هذا المجال لمدة 25 عاما. ويمكن أن أؤكد لكم أن الوصول إلى الأراضي الصناعية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، لم يعد موجودا اليوم. في جميع المجالات التي نعمل على تطويرها تقريبا، هناك الكثير من الأنشطة المخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن الطلب غير موجود.
ويوضح السمار، في التصريح نفسه، أنه “في القنيطرة، قمنا بتطوير منطقة التسريع الصناعي، لكننا أنشأنا منطقة مخصصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لأن مصنعي المعدات يحتاجون إلى مقاولين للقيام بمهام المناولة، لكنهم لا يوجدون”. مضيفا أن “الفرصة موجودة، لاسيما أنشطة الصيانة، والمرافق، وإعادة التدوير… في مكناس، لدينا أيضا الكثير من الأنشطة المخصصة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وفي وجدة أو بركان أو الناظور أو الحسيمة أو بوجدور. المشكلة هي أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ليس لديها ملفات بنكية، وغير قادرة على توفير الأموال لشراء الأرض وبناء المصانع”.
ويؤكد سمار أن “دورنا هو دعم الدولة في استراتيجياتها التنموية للمهن المغربية العالمية. وهو ما نقوم به اليوم بنجاح كبير. مشكلة القطاع غير المهيكل، لا تختزل في مشكلة الأرض. لكن إذا أطلقت الدولة سياسة متكاملة للقطاع غير المهيكل، التي تشمل أيضا مكونا للأرض، سندعمها”.
الطلب موجود والاستجابة منعدمة
في المقابل، يؤكد الفاعلون في القطاع أن الطلب غير موجود. وسبق لرئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات بطنجة الحسيمة تطوان، أن أقر، خلال لقاء إذاعي، أنه تم التوصل بـ 400 طلب من طرف معامل تنتمي للقطاع غير المهيكل بمدينة طنجة وحدها، الأمر الذي يجعل من فرضية غياب الطلب محط الكثير من التساؤلات، ذلك أن العديد من أرباب المعامل يريدون الاشتغال في إطار القانون، لكن التعقيدات تحول دون ذلك، بحسب مجموعة من الإفادات.
وفي ارتباط بالموضوع نفسه، سبق أن أعلنت المراكز الجهوية للاستثمار، مخططا للتسريع الصناعي يمتد من 2014 إلى 2020، كان يتوخى “إدماج سلاسل القيمة وتقوية العلاقات والروابط المحلية بين المقاولات الكبرى والمقاولات الصغرى والمتوسطة”، من خلال تخصيص بنايات للشركات الصغرى والمتوسطة بالمناطق الصناعية، لكن هذا المخطط لاقى فشلا ذريعا، ولم يحقق أهدافه.
وعلى العكس من ذلك، تشير معطيات إلى أن المصانع التي تشتغل في القطاع غير المهيكل، يفضل أربابها استمرار الوضع نفسه، ذلك أنها تشتغل في مجمعات سكنية، تبقى قريبة من السوق لتصدير منتجاتها، إضافة إلى أنها تتملص من تخصيص جزء من ميزانياتها للنقل، لاسيما أن المناطق الصناعية في حال وجودها، تكون خارجة عن المدن، ناهيك عن تهربها من الضرائب والالتزام بحقوق العاملين معها.
غياب استراتيجية حكومية
تفيد معطيات أخرى أنه بالنسبة إلى المصنعين، فإن النموذج الحالي للمناطق الصناعية، حيث تكون الشركات ملزمة بشراء الأرض والبناء قبل بدء نشاطها يبطئ الاستثمار، ما يتطلب تغيير هذا النموذج، من خلال بناء وحدات مخصصة للشركات الصغرى والمقاولات الصغرى والمتوسطة، مع إتاحة عروض تأجير في المتناول.
مصادر من داخل وزارة الصناعة، لـ “ميديا 24” أن “القطاع غير المهيكل، يحتاج سياسة متكاملة تعمل على عدة مكونات؛ الضرائب، والإدارة، وتبسيط الإجراءات، والرقمنة، وقبل كل شيء تغييرا في عقلية رواد الأعمال. وعندما يتم تسوية كل هذا، سيجد هؤلاء الأشخاص الأرض التي يريدونها، لأن العرض موجود ومتنوع في جميع أنحاء أراضي المملكة، ناهيك عن المشاريع الجديدة التي يتم إطلاقها، إما من قبل الوزارة أو من قبل “ميد زاد” أو جهات خاصة مختلفة”.
وفي الصدد ذاته، يضيف المصدر نفسه، أن تطوير مناطق صناعية ليس نشاطا مخصصا للدولة فقط، بل “يجب أن تشارك الجماعات والأقاليم أيضا في تطوير المناطق الصناعية. فهم يعرفون الواقع الإقليمي أفضل من أي شخص آخر ولديهم كل الوسائل للتصرف”.
وفي الوقت الذي تتقاذف فيه كرة المسؤولية بين القطاع غير المهيكل والمسؤولين عن المناطق الصناعية والجهات الحكومية، يستمر في المقابل واقع سوداوي يشكل مصدرا دائما للكوارث الإنسانية، الأمر الذي يستوجب تظافر مختلف الجهود، للإجابة عن الوضع وضمان الشغل لفئات واسعة في ظروف عمل صحية، تصون كرامتهم وحياتهم.