تحليل.. لهذا سرّع المغرب توقيع الإعلان الثلاثي مع أمريكا وإسرائيل
بينما كانت كل المعطيات، تشير إلى غياب أي بوادر للتقارب الدبلوماسي بين الرباط وتل أبيب، وباستحالة “تطبيع” العلاقات، على الأقل في الأمد القريب، جرت مياه كثيرة تحت جسر المفاوضات، في ظرف ما يناهز سنة ونصف من زيارة مستشار الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، في سياق ما عُرف حينئذ بصفقة القرن، ليتم الإعلان بتاريخ 10 دجنبر 2020 عن الاتفاق الثلاثي بين أمريكا والمغرب والدولة الإسرائيلية، بعد مكالمة وصفت بالتاريخية بين الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويبدو أن المغرب، أخذ وقته الكافي لتحليل ميزان الربح والخسارة في مثل هذا الاتفاق، فكان أن رجحت التوقعات كفّة الربح، فأراد المغرب انتزاع مكسب الاعتراف بسيادته على الأقاليم الجنوبية، حتى إن كلّفه ذلك عودة العلاقات مع إسرائيل، رغم أنه يؤكد أن الأمر ليس مقايضة، فذلك لن يضر في تقديره، مصالح الفلسطينيين في شيء، بينما فرصة الاعتراف بالسيادة من أقوى دولة في العالم لا تأتي كل مرة، لاسيما أن المعطيات الإقليمية آخذة في التغيّر.
ويرتبط التغير في جزء منه بالظرف السياسي الإقليمي، والآخر بالمعطيات العالمية. فمن جهة حسمت الانتخابات الأمريكية خروج الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض، بعد منافسة شرسة مع الديمقراطيين، خلال يناير 2021، بينما ستشهد إسرائيل انتخابات عامة للمرة الرابعة خلال عامين، بتاريخ 12 مارس، بعد فشل حكومة الوحدة الوطنية، ما يعني إمكانية رحيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يحاكم بتهمة الفساد.
استحضار معطيات ما أفرزته صناديق الاقتراع بأمريكا، وما ستفرزه بإسرائيل، كان كافيا ليستقبل المغرب الإشارة بأن الأطراف التي قدمت له العرض، ربما لن تصبح موجودة في المقبل من الأيام، ما جعل المغرب يوقع الاتفاق وفقا شروط تضمن له الحد الأدنى من الأمان، منها توقيع إعلان الاتفاق أمام وسائل الإعلام، من طرف سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، الأمر الذي يعبّر عن انتزاع التزام معنوي، بأن الموقف الأمريكي لن يتغير.
ومن جهة ثالثة، تأتي التطورات الأخيرة التي عرفها ملف الصحراء، بعد تحركات ميليشيات عناصر البوليساريو في الكركرات، التي اضطرت الجيش المغربي للتدخل، أعقبها إعلان فسخ اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع منذ 1991، من جانب واحد، ما عبر عن أن الصراع في الصحراء المغربية، قد يأخذ منحى آخرا في الأمم المتحدة، لكن المغرب اطمأن بعدما ضمن اعترافات عدة بسيادة على أقاليمه الجنوبية، خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية، العضو الدائم في جمعيتها العامة.
هكذا أراد المغرب، أن يستفيد من مجموعة من المعطيات، ليوقّع اتفاقا يحمل في طياته تحولا نوعيا في القضية الوطنية، وكذا على المستوى الخارجي، خصوصا أن السلطة الفلسطينية تفهمت الموقف المغربي، بعد مهاتفة الملك محمد السادس محمود عباس لوضعه في صورة الاتفاق، وأنه لن يغير مواقف المغرب تجاه القضية الفلسطينية، خصوصا أن الملك هو رئيس لجنة القدس.
وتجدر الإشارة، إلى أن المغرب أراد أن يضع الإدارة الأمريكية المقبلة مع جون بايدن في موقف يصعب معه التراجع عن المرسوم الرئاسي المعترِف بسيادة المغرب على الصحراء، لاسيما أن الاعتراف لديه مقابل مهم يتعلق بإسرائيل الحليفة الأولى لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني أن المغرب تقدّم بخطوات في انتزاع الاعتراف العالمي بسيادته الكاملة على ترابه.