هكذا تتخلص المستشفيات من نفايات مرضى كورونا
في السابق، كان هاجس المستشفيات ينصبّ فقط حول النفايات الطبية للمرضى، غير أنه بعد تسجيل أول إصابة بـ “كوفيد19″، أصبحت نسبة اليقظة فيها مرتفعة، سواء فيما يتعلق بعمليات التنظيف اليومي التي عادة ما تتكلف بها شركات خاصة يفوّض لها قطاع النظافة، أو مسار التخلص من نفايات مرضى الفيروس التي تعتبر نسبة خطورتها أكبر من النفايات الطبية الأخرى.
وتشكل نفايات مرضى فيروس كورونا المستجد بالمستشفيات، تهديدا بإمكانية نقل العدوى إلى الخارج، وقبل ذلك، فهي بمثابة خطر محدق بالأطر الطبية والعاملين داخل المستشفيات. فنفاياتهم الطبية وغير الطبية، حاملة فيروس “كوفيد 19″، الوباء الذي يعدي حاملوه الآخرين، حتى قبل أن تظهر أعراضه عليهم، لهذا تتعامل وزارة الصحة بحذر شديد مع هذا النوع من النفايات، الذي يصنف ضمن النفايات الخطيرة.
ولتفادي أي تهديد، فإن التعامل مع النفايات الخاصة بمرضى كورونا في المستشفيات بالمغرب، يمر عبر مراحل محددة، ويخضع لتدابير صارمة، إذ إن عملية جمع وتغليف وتعقيم النفايات ثم التخلص منها، تخضع لمراقبة صارمة، والتعامل معها يستوجب يقظة ومسؤولية مضاعفتين، للحماية من خطر العدوى الذي قد تنتج عنه كوارث إنسانية.
“أمَزان24” تقضي يوما كاملا مع وحدة النظافة بمستشفى بالرباط
وللتعرف عن قرب على أبرز المراحل التي تمر منها نفايات مرضى كورونا قبل التخلص منها، قضى طاقم جريدة “أمَزان24” يوما كاملا مع أطر مستشفى الأطفال بالرباط، وتحديدا مع الفريق المكلف بالمهمة الشديدة الخطورة، والمتعلقة بالتعامل مع مخلفات المصابين بالوباء، ومع التجهيزات الطبية وغيرها، التي يمكن أن تكون حاملة الفيروس.
وقبل الخوض في أهم المراحل التي يقطعها التعامل مع هذه المخلفات، تلزم الإشارة إلى أن النفايات، تعرف طبيا باسم “DASRI”، وهي كلمة مختصرة لنفايات العمليات العلاجية ذات الأخطار المعدية، Déchets d’activités de soins risques infectieux، وتدخل ضمنها كذلك، المواد الصيدلانية التي تعرضت للتلف، وتعرف اختصارا ب “DMT”؛ “déchets médicaux et pharmaceutiques”.
ويندرج ضمن النفايات الطبية الناجمة عن العمليات للعلاجية لمرضى “كوفيد 19″، كل ما يصدر عن المصاب من بقايا طعام، التي تصنّف بدورها ضمن خانة النفايات الخطيرة، وأغطية وأفرشة المصابين والأدوات والوسائل التي يستعملونها في معيشهم اليومي، خلال تلقيهم العلاج داخل المصحات الطبية، علاوة على الأدوات الطبية المستعملة من طرف الأطباء والممرضين، والكمّامات والقفازات الطبية وغيرها من المستلزمات.
تجربة الفريق عامل قوة
منذ الصباح رافقنا عادل العلوشي، مسؤول وحدة النظافة الاستشفائية بمستشفى الأطفال بالرباط، لنكتشف معه كيف يتعامل فريقه مع مستوى خطير لا يقل أهمية عن غيره من المستويات المتعلقة بمرضى “كوفيد19″، فمعركة الأطقم الطبية في المستشفيات الساهرة على صحة وسلامة المصابين وبروتوكول علاجهم، لا تكتمل دون توفر معايير الوقاية والتعقيم من الفيروس، والتي من شروطها السهر على نظافة محيط المرضى والمعدات الطبية المستعملة والتخلص من النفايات المعدية.
يقول العلوشي أثناء حديثه عن “روتين” فريقه اليومي؛ “نشرع في العمل منذ الثامنة والنصف صباحا، بمعرفة مستجدات الأعداد الإضافية من المرضى ومتى دخلت المستشفى من خلال المعطيات التي يتم مدنا بها من فريق المداومة أثناء الليل، ونعد حاجياتنا الخاصة لأداء واجباتنا المهنية؛ معدات طبية ومواد مطهرة تتوفر على معايير علمية في القضاء على الفيروسات، بما فيها تلك المستعملة في المرافق الصحية التي يستعملها المريض بكورونا، كما يجهّز الفريق نفسه بالمعدات الوقائية اليومية اللازمة، وهي الأمور التي تضاعف اهتمامَنا بها في الأشهر الأخيرة”.
بخصوص سير العمل، يوضح العلوشي أن فريقه اعتاد التعامل مع مثل هذه الأوبئة الخطيرة، خصوصا أن المستشفى راكم تجارب مع فيروسات سابقة؛ كـ “إيبولا” و”سارس” وغيرها، ما سهّل مأمورية أداء الواجب اليومي للفريق. ويتابع المتحدث نفسه “أن عملية التخلص من النفايات يؤطرها القانون رقم 28.00، الذي صنف النفايات في أربع مجموعات، ومن بينها نفايات كورونا التي تندرج ضمن النفايات الطبية والصيدلانية، وهو قانون ينظم إجراءات التعامل مع النفايات إلى غاية وضعها في المكان النهائي لها”.
التعامل مع نفايات المصابين بفيروس كورونا يحظى بأهمية بالغة، بحسب العلوشي، إذ يتم العمل على مضاعفة الالتزام بالتدابير، موضحا “أن محيط المصاب يكون بكامله معديا وحاملا للفيروس، ولا يتم عزل النفايات وفق التصنيف العادي المذكور، بل كل الوسائل المستعملة بمصلحة “كوفيد19” تصنَّف ضمن النفايات الطبية والصيدلانية”، موردا أن الفريق “يستعمل كيسا بلاستيكيا أحمرا بمعايير دولية، تمنع تسرّب السوائل، ويتم وضعه داخل علبة بلاستيكية غير قابلة للضياع، ولا تسمح بانبعاث الروائح”.
أكياس حمراء لنفايات “كوفييد19”
يشرع الفريق، بحسب المسؤول الرئيسي عنه، في جمع النفايات يوميا من الساعة السادسة والنصف صباحا إلى السابعة، والعملية الثانية يبدأ فيها في الثانية بعد الزوال، وينتهي منها في الساعة الثامنة.
تخضع نفايات كورونا لتعامل خاص، إذ يتم وفق مسؤول وحدة النظافة الاستشفائية، الحرص على تغليف حاويات الأزبال قبل إخراجها النهائي، وقبل خروجها من مصلحة “كوفييد19″، تستعمل أكياس حمراء لمضاعفة التغليف، للدلالة على أنها خاصة بنفايات كورونا الأكياس المذكورة، تتوفر فيها معايير دولية، فهي لا تسمح بتسرب الروائح والسوائل، بعد ذلك -يضيف رئيس الفريق- “نطهّر تلك الحاويات بمواد معقمة تقضي على الفيروسات، قبل أن يتم التخلص منها، بنقلها إلى المطرح النهائي الذي يوجد داخل المستشفى، وأخيرا تتكلف شركة نظافة خاصة، بنقلها خارج المستشفى وإتلافها بطريقتها في مطرح بالدار البيضاء، بعد نقلها بطريقة آمنة”.
أما الأغطية والأفرشة الخاصة بالمصابين بكورونا، والتي يوجد احتمال حملها الفيروس، يؤكد العلوشي أنها تستعمل مرة واحدة فقط، إذ إنه لا وجود لاجتهاد بخصوصها، ذلك أن القانون 28.00 يدرج كل ما كان على احتكاك مع المصاب بالفيروس ضمن النفايات الطبية والصيدلانية، التي تعالج خارج المستشفى، ولا يعاد استعمالها أبدا.
حرارة مرتفعة للإحراق
بعد المرحلة السابقة التي يتكفل بها فريق بالمستشفى، يأتي الدور على الفريق الذي يُحرق النفايات، هذه المرحلة هي الأخرى تحظى بعناية خاصة.
شادية الخليفي، المكلفة بتدبير وحدة معالجة النفايات الطبية بمكناس،أكدت أن الجهات الوصية على القطاع الصحي، عمّمت ارتداء البذلات الخاصة على جميع الموظفين، ورفعت وتيرة تعقيم الحاويات والشاحنات، وحسّست العمال بضرورة الالتزام بشروط السلامة الصحية، عن طريق طبيب الشغل وخبير في السلامة المهنية.
واستطردت المتحدثة نفسها قائلة، “إن الشركة المفوض لها القطاع، تتوفر على جهازين للحرق، أحدهما بحرارة 850 درجة والثاني بحرارة 1200، إضافة إلى سلسلة للتطهير ببخار الماء تصل حرارتها إلى 134 درجة”.
وفي السياق نفسه، قال أعوان مكلفون بمسلسل معالجة النفايات، “إن عملهم يكمل وظيفة الفرق الطبية، لأن لتدبير النفايات الطبية أهمية كبرى بالنسبة إلى الأمن الصحي للبلاد”.
التوعية سبيل الوقاية
تولي وزارة الصحة أهمية كبيرة لعملية التوعية والتحسيس للمواطنين عامة، وللمتواجدين بالمستشفى، بمن فيهم الأشخاص الذين تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا، بخصوص كيفية التعامل مع النفايات الناتجة عن استعمال معدات الوقاية الشخصية، وكيفية التخلص منها بطرق سليمة، إضافة إلى المراقبة الصارمة لتدبير النفايات الناتجة عن العلاجات الطبية بالمؤسسات الصحية.
وللقيام بهذا الدور التوعوي، أنتجت الوزارة دعائم تواصلية تضم النصائح الواجب اتباعها للتخلص من وسائل الوقاية الشخصية؛ كغسل اليدين بشكل متكرر بالماء والصابون عوض استعمال القفازات التي يعيش بها الفيروس لمدة 10 أيام بدل 10 دقائق فقط على الجلد، واستعمال الكمامات تفاديا لانتقال العدوى عبر تطاير الرذاذ، إضافة إلى التخلص من القفازات والكمامات الطبية والمناديل الورقية المستعملة في سلة نفايات تحتوي على كيس بلاستيكي.
وتؤكد وزارة الصحة، أنه في حالة تأكد إصابة أحد أفراد الأسرة بالفيروس التاجي، فمن الضروري التخلص من جميع النفايات الناتجة عن استعمالات المصاب في كيس بلاستيكي، ورشها بماء معقم وإغلاق الكيس بإحكام، ثم وضعها في كيس بلاستيكي ثاني وإغلاقه قبل وضعه مع النفايات المنزلية، وذلك لتجنب تلوث القمامة، وللتقليل من احتمالية انتقال العدوى لعمال النظافة أو غيرهم.
وحرصت الوزارة الوصية، على تقوية وتعزيز إجراءات النظافة داخل المستشفيات، والتأكد من تدبيرها للنفايات الطبية، وفقا لما تنص عليه القوانين الجاري بها العمل؛ من خلال حث الشركات المتخصصة في نقل ومعالجة النفايات الطبية على تتبع إجراءات السلامة والتقيد الصارم بقواعد النظافة العامة.
وفي السياق نفسه، تحث الجهات المسؤولة على قطاع البيئة الشركات المتخصصة في تدبير النفايات المنزلية على توعية مستخدميها بمخاطر النفايات وتزويدهم بمعدات وملابس الوقاية اللازمة، والتقيد الصارم بقواعد النظافة.