حالة الطوارئ.. التحديات الأمنية في مواجهة كوفيد19
• عبد اللطيف الخلوقي
لا يخلو تاريخ الدول من أزمات وحروب وأوبئة وانكماش اقتصادي وعمليات إرهابية.. فتتولد اضطرابات اجتماعية. تزداد انفعالات الناس، وتغذو بعض الممارسات أقل عقلانية. يسحب الناس أموالهم من البنوك، يشترون بشكل مبالغ فيه مواد استهلاكية لتخزينها جراء الخوف مما سيحدث لاحقا. تقل التوقعات، فتعجز التحليلات عن تقديم أجوبة مطمئنة للناس. يطلب من الناس الحذر أو لزوم منازلهم أو مزيدا من التقشف.
مناسبة هذا الكلام هو تفشي وباء كورونا في أكثر من مئتي دولة، والذي ألزم العديد منها باتخاذ تدابير أكثرة صرامة، منها دعوة الناس للبقاء في منازلهم وتطبيق حظر التجول. وإن كانت بعض الدول قد نجحت في هذا الرهان بفضل نضج مواطنيها وارتفاع منسوب وعيهم، وبفضل قوة أجهزتها وتدخلاتها لاحتواء أي أزمة، فإن دول أخرى واجهت صعوبات في تحقيق ذلك.
يوم 24 مارس 2020 أعلن المغرب حالة الطوارئ الصحية، بمقتضى مرسوم قانون نشر بالجريدة الرسمية، تحت رقم 2.20.292. فأعلن حظرا صحيا إلى غاية 20 أبريل. واكب هذا الخيار السياسي الصعب، لساكنة نسبة أميتها مرتفعة، يهيمن عليها قطاع غير مهيكل على نطاق واسع، إجراءات اتسم بعضها بالليونة والتساهل واتسم بعضها الآخر بالصرامة والقسوة. فرضُ حظر صارم على مدن وشوارع بعينها، فيما بقيت مناطق أخرى في حركتها المعهودة. تعالت صيحات بعض الناس وبعض المثقفين تدعو رجال الأمن للتدخل بحزم ولو اقتضى الأمر الضرب أو الإهانة. والمفارقة العجيبة أن بعضا من هؤلاء كانوا أكثر دفاعا عن حقوق الإنسان قبل هذا الوباء، وأكثرا نقدا لممارسات الأجهزة الأمنية، فصاروا دعاة لانتهاكها!
حدد القانون السابق، في المادة الأولى، حالة الطوارئ الصحية من خلال غايتها، وهي حماية المواطنين وضمان سلامتهم ضد وباء كوفيد 19، لذلك نصت المادة الرابعة على عقوبات في شكل غرامات تتراوح بين 300 و1300 درهم كل من خالف أحكام هذا القانون أوعرقل عمل السلطات. وفي المقابل، منحت المادة الثالثة من مرسوم قانون رقم 2.20.293 صلاحيات للولاة والعمال باتخاذ كافة التدابير التي من شأنها حفظ النظام العام الصحي، سواء تدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، لكنها لم تنص في أي بند من بنود هذين القانونين بشكل علني على التدخل بالقوة أو استخدام وسائل عنف، بل حددت مهامهم بناء على الاختصاصات التي توكل لهم بمقتضى القوانين التشريعية والتنظيمية.
وعلى الرغم من اختلاف حالة الطوارئ الصحية عن حالة الاستثناء، التي هي إلى حد كبير حالة حرب أو تهديد بالحرب، إلا أن هذا لا يعني فرقا في وضعية حقوق الإنسان، والتي لا تسقط أو يتم تعليقها، مادامت المادة 59 من دستور 2011 تنص على أن الحريات والحقوق الأساسية تبقى سارية المفعول عند إقرار حالة الاستثناء من طرف رئيس الدولة بمقتضى ظهير.
إن العنف الصادر من بعض رجالات الدولة الموكل لهم الحرص على تنفيذ القانون، قد يكتسب سمة المشروعية في وعي شريحة من المواطنين – والدافع هنا غريزي أكثر منه أخلاقي- لكنه لا يتصف بالشرعية. ذلك إن القوانين التي تحمي حقوق الإنسان، سواء دوليا أو محليا، لا تسقط كليا بل جزئيا، فلا حاجة لانتهاكات حقوقية تنضاف إلى وضع المعاناة الذي سيطال فئات واسعة، جراء هذا الوضع الطارئ.
كان من الضروري على السلطات الأمنية، أن تدبر هذا الملف بكثير من الحزم، دون أن تسقط في فخ انتهاك حقوق الإنسان. نجحت قوى أمنية في تقديم نموذج متقدم ومتطور في التعامل مع بعض رافضي احترام قانون الطوارئ الصحية، وفشلت قوى أمنية أخرى في كسب الرهان، وبرهنت أنها مازالت لم تتخلص منالأساليب البالية من قبيل الضرب والصفع والإهانة.
قلنا في مطلع هذا المقال، إن مرحلة الاضطرابات يتصرف فيها الناس وفق انفعالاتهم، فتظهر مشاعر الخوف والتوجس. تزداد الانفعالات كلما كانت التدخلات الأمنية أكثر عنفا، فيستدمج الأفراد مشاعر الحقد ويسعون إلى الانتقام كلما سنحت لهم الفرصة. يرفضون الانصياع للقوانين لأنها تمثل وجها من وجوه الإكراه، وكوسيلة لدوام القهر لا للقطع معه، فلا يميزون بين القانون والإكراه.
الشرطي الذي يصفع، يصفع في تمثل الناس بمقتضى قانون، فيزداد تباعدهم الفكري والنفسي عن الدولة. فما ربحته الدولة من الخيارات التشريعية للحفاظ على حياة الناس، خسرته عندما طبق بعض رجال أمنها أساليب عنف مهينة.
إن الرهان الذي من الضروري أن تكسبه الدولة، وهذه أنسب مناسبة لتحقيق ذلك، هو تأهيل أطرها الأمنية حتى تكون من الكفاءة ما يجعلها قادرة على تدبير الملفات الصعبة، سواء في أوقات السلم أو في أوقات الأزمات. ولا مناص من رفع مستوى الوعي لدى هذه الأطر، فوظيفتها لا تقتصر على إخضاع الناس للقانون فقط، بل تعليمهم جدوى احترامه. ولا معنى لقانون يسير بسرعة القطار، في حين تسير بعض الإجراءات سير السلحفاة!
- • باحث في حقوق الإنسان