ليفوتيروكس.. وزير الصحة “ابن القطاع” يوهم المرضى ويخرق القانون !
الدكتور المهدي براي
احتفلت وزارة الصحة المغربية ببداية السنة الجديدة على طريقتها الخاصة، حيث “بشّرت” مرضى الغدة الدرقية الذين يتعذر عليهم إيجاد دواء ليفوتيروكس في الصيدليات بوضع رقم هاتفي أخضر (0801005353) رهن إشارتهم قصد المساعدة. تبيّن في النهاية أن الوزارة أولى بالمساعدة من غيرها لأن الأوضاع فيها تزداد تخبّطاً يوما بعد آخر.
فبعدما أصدر وزير الصحة، خالد أيت طالب، بلاغا يوم الثلاثاء الماضي، أبدى فيه تفاعله مع إشكالية اقتناء دواء ليفوتيروكس، وقرّر “بصفة ظرفية واستثنائية” وضع رقم هاتفي أخضر لهذا الشأن، اتضح أن التواصل عبر الرقم المذكور صعب المنال. وحتى إذا ما مرت المكالمة، بشق الأنفس، فإن الموظف المسؤول عن هذه “الخدمة الهاتفية” ينفي نفيا باتا إمكانية التفاعل الإيجابي مع مرضى الغدة الدرقية، ويوضح في المقابل أن الرقم الوارد في البلاغ يرتبط بمركز للاستماع خاص بشكايات وتظلمات مرتفقي المؤسسات الصحية العمومية. وعكس ما يوحي به بلاغ الوزارة، فهذه “الخدمة” ليست حديثة العهد، ولا يمكن أن “تساعد” المرضى الباحثين عن الدواء المذكور.
وعلاوة على تغليط الرأي العام، فإن البلاغ الوزاري يخرق القانون من خلال حثّه المرضى إلى التوجه “عند الحاجة” صوب المندوبيات الإقليمية لوزارة الصحة مصحوبين بالوصفة والملف الطبّيَيْن. ويبدو أن الوزير “ابن القطاع” يجهل أو يتجاهل المسلك القانوني للدواء كما يحدده القانون 17-04 (مدونة الأدوية والصيدلة) بدءاً بالمختبر، ثم شركة التوزيع، فالصيدلية.
وعوض أن يجد الوزير حلاًّ لمعضلة انقطاع ليفوتيروكس، بالإضافة إلى العديد من الأدوية الأخرى، على مستوى المصدر أي المختبرات، والتي بات بعضها لا يلتزم بتوفير المخزون الاحتياطي، فقد اكتفى بإصدار بلاغات متتالية تغالط الرأي العام، ولا تسمن ولا تغني من جوع.
ولو نزل وزير الصحة إلى أرض الواقع، لَعلِمَ أن هناك مشكلا حقيقيا في توفير الدواء المذكور في جميع المناطق، وهو الأمر الذي ظل ينفيه هو وسلفه (أنس الدكالي) طوال ستة أشهر، وذلك منذ يوليوز الماضي.
حينئذ، نفت الوزارة الوصية أن هناك انقطاعا للدواء. ومع مرور الأيام، بدأت تعترف بالمشكل -ضمنيا- إذ رمت بالمسؤولية على الصيادلة الذين يصرفون (حسب الوزارة) أكثر من علبة للمرضى علما أن الصيدليات لم تكن تتوصل من طرف الشركات الموزعة سوى بعلبة أو علبتين، وذلك على فترات متباعدة.
وهكذا، انتقل الموضوع على مائدة الوزارة من الإنكار إلى الاعتراف الجزئي، ثم انتهى به المطاف إلى الاعتراف الكلي من خلال إيهام المواطنين بوجود رقم هاتفي وحثهم إلى التوجه صوب المندوبيات الإقليمية قصد “مساعدتهم في هذا الشأن”.
ويؤكد هذا الحدث، وما سبقه من أحداث، أن وزارة الصحة تفتقد لسياسة دوائية حقيقية، ما يجعلها تغيّب المقاربة التشاركية وتميل إلى اتخاذ قرارات أحادية يطبعها الترقيع والتسرع والعشوائية.
وكان حريّاً بممثل الصحة في ما يسمى بحكومة “الكفاءات” أن يقطع مع هذه الأساليب ولكنه، مع الأسف، زاد الطين بلّة. فدشّن مشواره بفيديو مستشفى الراشيدية إذ عاب فيه على الأطر الصحية -بطريقة استعراضية وأمام أنظار الكاميرا- غياب الهاتف الثابت والإنترنت. وكان الأجدر به أن يعاتب نفسه فهو المسؤول أولا وأخيرا عن توفير أدوات التواصل البديهية في المؤسسات الصحية العمومية.
تلا ذلك تعامله مع حادث قابلة العرائش، ثم تفاعله الغريب مع الحملة الفيسبوكية للمطالبة بتوفير أدوية السرطان في المستشفيات العمومية.
تلك بعض الأحداث التي أساء فيها الوزير التواصل والتعامل. أخطأ خلالها في الشكل والمضمون. وعلى غرار سلفه “ابن القطاع”، فقد جرّ عليه، في فترة قياسية، غضب المرضى والصيادلة والممرضين والأطباء وأطباء الأسنان… وإن لم يصحّح في أقرب وقت وجهتَه، فإنه سيلقى لا محالة المصير ذاتَه.