اختلالات مالية تلاحق بنعزوز بشركة الطرق السيارة
منح صفقات وسندات طلب لمقربين وأطر سابقين
في الوقت الذي ينتظر منها أن تساهم في إنعاش ميزانية الدولة، وتسهر على ضمان قواعد الشفافية والمنافسة في سندات طلبها وصفقاتها، كشفت معطيات حصلت عليها صحيفة “أمَزان24″، اختلالات كبيرة في الشركة الوطنية للطرق السيارة، تخص إبرام عقود على شكل سندات طلب عوض صفقات، مع شركات مقربين من الشركة أو كانوا أطرا سابقين فيها، ما يبرز وجود تضارب مصالح يستدعي التدخل.
الاختلالات المرصودة، من خلال وثائق حصرية، تكشف أن أنور بن عزوز، المدير العام للشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، المعين منذ يناير 2014، يعد على رأس لائحة المشتبه تورطهم فيها، إلى جانب ساعده الأيمن ومستشاره نورالدين بن علي، الذي يعد الصديق الشخصي المقرب من المدير. والتحق بالشركة في يونيو 2015، في ظروف توصف بـ “المشبوهة”.
ويعد تمرير الصفقات تحت سندات طلب (Bon de commande)، من أبرز أوجه الاختلالات التي تعرفها شركة الطرق السيارة، لاسيما في ظل وجود علاقة شخصية بين مالكي الشركات المستفيدة ومسؤولين في إدارة بنعزوز. وإضافة إلى ذلك، فإن أغلب هذه الصفقات، تهم إنجاز دراسات وخبرات، لم تقدم أي إضافات، رغم التهامها ملايير الدراهم، مع وجود تضارب مصالح واضحة، وخرق قوانين الصفقات العمومية والمشتريات العامة.
صفقات بالملايير لمقربين!
على امتداد سنوات من وجود أنور بنعزوز على رأس الإدارة العامة للشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، تم التطبيع مع مجموعة من الاختلالات، يوجد خلفها، وفق مصادر “أمَزان24″، المستشار بن علي. من هذه الخروقات؛ تمرير صفقات تحت سند طلب بميزانيات مهمة لصالح مقربين وشركاء سابقين مع مسؤولي الشركة.
بمجرد تعيين المستشار بن علي، عمل على استقدام صديقه محمد انتظام، وبينهما قرابة، تحت غطاء مكتب استشارة، قصد السيطرة على دواليب وأجهزة التسيير بالشركة، عبر التحكم في منظومات المشتريات لتوجيهها لخدمة المصالح الشخصية. ويتبين ذلك، من خلال تمرير المستشار بن علي، صفقة تحت سند الطلب (رقم 2016/138 بمبلغ 176 ألف و400 درهم، بداية سنة 2016، في ظروف غامضة لمكتب دراسات مغمور وبدون تجربة يحمل اسم “INTIDAM PARTERNS”، رقم سجله التجاري هو 302421، قصد الاستشارة في مجال المشتريات.
المكتب الحاصل على هذه الصفقة، ليس إلا مكتب محمد انتظام صديق المستشار، الذي تم تأسيسه شهر أبريل 2014، مباشرة بعد تعيين بنعزوز مديرا لشركة الطرق السيارة بالمغرب. ما يثير الاستغراب في هذه الصفقة، أن الشركة الوطنية من قبل، كانت تعتمد على مكاتب دراسات كبيرة ومشهورة ودولية أحيانا، ليتحول اختيارها إلى شركات مغمورة. وما يزيد من الشكوك، حول هذه الصفقة، بحسب المعطيات، أن مستشار المدير، كان له تعامل سابق مع هذه الشركة، عندما كان يشتغل سابقا بشركة للأشغال العمومية “أليانس”، واعتمد مكتب الاستشارة “INTIDAM PARTERNS” لإنجاز هذه الصفقة، على صديق آخر يدعى مراد تاتو. هذا الأخير أيضا سيستفيد من صفقات شركات الطرق السيارة فيما بعد. لكن ما يثير الاستغراب، هو أن هذه الصفقة لم تقدم أي إضافات إلى منظومة المشتريات بالشركة الوطنية.
منصب على مقاس مورّد!
رغم انتهاء مهامه الاستشارية وفق سند الطلبات، استمر محمد انتظام، صديق المستشار، في الحضور لعدة أشهر إلى المقر المركزي للشركة، ما تؤكده سجلات الدخول والخروج الورقية والإلكترونية.
تواجده المتكرر والمنتظم، طرح مجموعة من الأسئلة، لاسيما أن المعني بالأمر خلال هذه الفترة، استمر في عقد اجتماعات مع موردي الشركة، خصوصا مكاتب الاستشارات وموردي الخدمات، كما استمر في تمرير سندات الطلب.
وكشفت مصادر “أمَزان24” من داخل الشركة، أن انتظام، هيأ طلب ترشيح على المقاس لنفسه، لشغل منصب رئيس قسم الصفقات. وفعلا، جرى الإعلان عن المنصب خارج الشركة في يوليوز 2016.
وكما كان متوقعا حصل انتظام على المنصب، رغم أن الإعلان عنه لم يتم داخليا، بغاية إزاحة أي منافسة محتملة، ليتحول محمد انتظام من مورد خدمات استشارة في منظومة المشتريات، إلى موظف بالشركة الوطنية للطرق السيارة، في منصب حساس يخول له التحكم في صفقاتها.
صفقات تتحول إلى سندات طلب!
حوّل مسؤولو الشركة الوطنية للطرق السيارة العديد من الصفقات العمومية لتصبح عبارة عن سندات طلب (Bon de commande)، حتى يتسنى لهم التحكم في تحديد الجهة التي ستستفيد منها، وفق ما أكدته مصادر لـ “أمَزان24”.
المصادر نفسها، أفادت أن المدير العام للشركة عمل رفقة مستشاره، على الرفع من قيمة سندات الطلب بالشركة من 150 ألف درهم إلى 500 ألف درهم، بغاية تفادي طلبات العروض المفتوحة، التي بإمكانها أن تخرج بنتائج غير مرغوبة، إضافة إلى أن سندات الطلب أقل إلزاما في تمريرها من طلبات العروض المفتوحة، إذ يسهل توجيهها لأحد الموردين، نظرا للعدد القليل من الشركات والمكاتب التي تتم مراسلتها من أجل المشاركة (ثلاثة على الأقل)، ويبقى اختيار من يفوز بالصفقة بيد محمد انتظام، الذي أصبح مكلفا بالصفقات.
شركات مغمورة تفوز بالصفقات!
بعدما رسّم المدير العام ومستشاره محمد انتظام مكلفا بالصفقات، تم تمرير سند طلب آخر لمكتب دراسة مغمور، لا يتوفر على أي خبرة، وهو مكتب “SAWAF” الحامل السجل التجاري رقم 302901. ومن غرائب الصدف، أنه تأسس في أبريل سنة 2014 مباشرة بعد تعيين أنور بنعزوز مديرا عاما للشركة.
سند الطلب الذي استفادت منه “SAWAF”، تحت رقم 2017/57 تم تمريره بمبلغ 359 ألف و760 درهم. ويتعلق الأمر بموضوع استشارة فيما يخص شراء الخدمات المتعلقة بعمليات الاستخلاص، والغريب في الأمر كذلك، أن سند الطلب هذا، تم هو الأخر دون أي فائدة بالنسبة للشركة، وفق المصادر ذاتها.
الأكثر من كل ما سبق، أن المكتب المستفيد من سند الطلب، يوجد في ملكية مراد تاتو المشار إليه من قبل. ومقره يوجد في نفس عنوان مكتب الدراسات “INTIDAM PARTERNS”، الكائن بـ 43 زنقة 2 مجموعة الحامدية حي القدس، الدار البيضاء.
ما يثير الشكوك، هو ما أكدته المصادر بشأن انتظام وتاتو، على أنهما التقيا بفرنسا بالمدرسة العليا للعلوم الاقتصادية والتجارية، حيث حصلا على شهادة الماستر سنة 2012، وأنشأ مكتبا بفرنسا تحت اسم “ITM PARNERS” المسجل بفرنسا تحت عدد (SIREN N 533891651)، وسيّره تاتو إلى غاية 2013، وانتظام ما بين 2013 و2014. وتشير المعطيات أيضا، إلى أن علاقة الاثنين استمرت، ذلك أنه في سنة 2014 وبعد إنشاء كلا من المكتبين “INTIDAM PARTNERS” و”SWAF”، دخل كل من انتظام وتاتو كشركاء في مكتب الدراسات “AOB PURCHASING”، حامل السجل التجاري رقم 230243، والمتخصص أيضا في الاستشارة في المشتريات والبحث عن الموردين.
استغلال المناصب بـ “ADM”!
لم يتوقف أمر الشبهات عند هذا الحد، بل إن المستشار انتظام، وفق ما أكدته المصادر، واعتمادا على منصبه الجديد في الشركة كرئيس لقسم المشتريات، وموقعه كمسير لمكاتب الدراسات، وضع مشروع تطوير علاقات مع الموردين، ما يتعارض مع قانون الصفقات العمومية والمساطر الأخلاقية، ومدونة الشغل والقانون الأساسي للمستخدمين، الذي يمنع مزاولة مهام خارجية مدرة للربح أو لها علاقة بالوظيفة داخل الشركة.
إلا أنه رغم القوانين المشار إليها، تؤكد المصادر أن انتظام، انطلاقا من الصفة التي يمتلكها داخل الشركة وخارجها، يستخدم جميع الإمكانيات لخدمة مكاتبه المتخصصة في الدراسات، ومكاتب دراسات زبناء مكاتبه من الموردين، عبر طلبات الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب.
شبهات في صفقات “ADM”!
مرة أخرى، خلال سنة 2017، أثيرت الشبهات من جديد. هذه المرة حول صفقة أخرى مررها انتظام، لمكتب دراسات فرنسي يدعى “EPSA” عبر طلب سند تحت رقم 2017/97 بمبلغ 54 ألف يورو، أي ما يناهز 600 ألف درهم، بغاية مرافقة الشركة الوطنية للطرق السيارة، في منظومة المشتريات، علما أن ترسيم انتظام كان من أجل هذه المهمة بالخصوص.
وما يثير الشكوك أيضا، هو أن مراد تاتو، يوجد مرة أخرى ضمن مكتب عمل مكتب الاستشارة “EPSA” الذي حظي بالصفقة. القاسم المشترك بين كل هذه الصفقات المثيرة للشكوك، أنها تمت جميعها من خلال سندات طلب وليس عبر صفقات، ما يمس بمبدأ المنافسة المفتوحة. وتشير المعطيات إلى ان اعتماد هذه الصيغة كان بغاية تجنب القيود التي تفرضها الصفقات العمومية، وبهدف التحكم في النتائج لخدمة مصالح القائمين عليها.
استمرار الاختلالات بـ “انتظام”
لفتت المصادر إلى أن هذه الممارسات من المحتمل أنها طالت، لأ هؤلاء أصبحوا يتحكمون في منظومة المشتريات داخل شركة الطرق السيارة، كآمرين بالصرف ومراقبين عمليات الشراء والمصادقة عليهما، ثم الأمر بالأداء، كما أن لديهم صلاحية التفاوض مع الموردين الخارجيين من أجل تمرير صفقات الشركة في ظروف غامضة، وهي الصفقات التي تقدر قيمتها بالملايير سنويا.
ما يؤكد أن هذه الممارسات تستمر من طرف المدير العام وأعوانه، بحسب المصادر ذاتها، تمرير صفقات جديدة لأشغال الحراسة والنظافة وفق نفس الطريقة، مع تسجيل ارتفاع مهول في الأثمنة، وتمرير صفقات تفاوضية مع شركات دخيلة، وفي ظروف توصف بـ “المشبوهة” في بعض الخدمات، إذ تقدر مبالغها بعشرات الملايين من الدراهم.
كما تفيد المعطيات بأن هؤلاء الأشخاص مستمرون في عقد اجتماعات تفاوضية مع موردين خارجيين في خرق لقواعد المشتريات العمومية، بغاية تمرير صفقات أخرى مشبوهة. وفي السياق نفسه، تؤكد المعطيات أنه تم التعاقد مع مكتب فرنسي (E-big fish) بمبلغ يناهز 600 ألف درهم، في إطار سند طلب رقم 2017/316 من أجل توظيف أطر من فرنسا لتكوين فريق سري لتسيير المشتريات بالشركة، يشرف عليهم المستشار انتظام، بعيدا عن أي قواعد تهم المشتريات العمومية وبعيدا عن أعين مستخدمي الشركة.