هكذا توظف الأحزاب أذرعها الإحسانية في الدعاية الانتخابية
أماط النقاش الذي أثير في الأيام الماضية، حول التوظيف السياسي للإحسان العمومي، اللثام عن واقع سياسي مغربي، يختلط فيه العمل الإحساني تجاه الفئات الفقيرة والمعوزة بأساليب الدعاية السياسية واستمالة الناخبين. ذلك ما يطبع ممارسة أحزاب سياسية، توظف أذرعها الجمعوية الإحسانية في الدعاية الانتخابية.
وأمام تراجع الوعي السياسي لدى فئات واسعة من المواطنين، وافتقار الأحزاب السياسية رؤية واضحة تميزها عن باقي الفرقاء السياسيين، وانتشار واسع لمظاهر الفقر والبؤس الاجتماعي التي فاقمتها تداعيات جائحة كورونا، أصبح سلاح العمل الإحساني ناجعا في نظر الأحزاب السياسية.
وتجلى هذا التوجه في التحاق مجموعة من الأحزاب السياسية، التي كانت تنتقد استغلال العمل الإحساني فيما سبق إلى اعتماد نفس الأساليب، ذلك أن حزب التجمع الوطني للأحرار الذي أثيرت حوله زوبعة من الانتقادات في الأيام الماضية، سبق أن انتقد بشدة استغلال حزب العدالة والتنمية للعمل الإحساني في حشد الأصوات الانتخابية، قبل أن يلجأ هو الآخر لنفس الأسلوب.
وخلق حزب التجمع الوطني للأحرار خلال السنوات الماضية ذراعا إحسانيا قويا تحت اسم “مؤسسة جود للتنمية”، التي تعمل مع مجموعة من الجمعيات وفي مختلف المجالات بصورة نشيطة أقلقت باقي الأحزاب السياسية، إلى درجة أنها أعلنت عن عزمها توزيع مليون قفة خلال شهر رمضان.
وافتضح أمر استغلال حزب الأحرار لهذا العمل الإحساني مع الانتقادات التي وجهتها له أحزاب الأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية، وفيدرالية اليسار، والعدالة والتنمية، بعد انتشار مقاطع فيديو توثق احتجاج مجموعة من المواطنين على استغلال معطياتهم الشخصية التي سلموها أثناء تلقيهم مساعدات إنسانية وتسجيلهم ضمن منخرطي الحزب دون إخطارهم إلى حين توصلهم ببطائق الانخراط.
الفضيحة السياسية التي تورط فيها حزب الأحرار كان لها ما بعدها، ذلك أن عزيز أخنوش خرج لتبرير عمل “جود” ودعوة الجميع إلى القيام بالأمر نفسي ما دام العمل الاجتماعي مفتوح في وجه الجميع، كما أن النائب البرلماني مصطفى باتياس، اتهم باقي الأحزاب باستغلال هذا العمل لأكثر من 50 سنة في إشارة لحزب الاستقلال، ولأكثر من 20 سنة في إشارة إلى العدالة والتنمية.
ويعمل المنتمون لمجموعة من الأحزاب السياسية، خاصة من الأعيان، بصفة منظمة أو فردية على استمالة الناخبين عبر تقديم مساعدات على شكل قفف تتضمن مواد غذائية، توزع على الأرامل وفئات اجتماعية معوزة، بهدف استمالتهم للتصويت، عبر دعوتهم بشكل مباشر أو غير مباشر للتصويت على لون حزبي دون الآخر.
وتشير معطيات إلى بعض الأحزاب السياسية تستغل تسييرها لمجموعة من الجماعات الترابية في توجيه المساعدات نحو دوائر أو أسر دون الأخرى، وكذا في العمل على التنسيق مع الجمعيات لجلبها لتقديم المساعدات الإنسانية داخل نفوذها الانتخابي، مع العمل على إشهار أن المساعدة جاءت عن طريق أحد رموزها لترسيخ اسمه في وعي البسطاء من المواطنين.
هذه الاتهامات باستغلال العمل الإحساني رافقت حزب العدالة والتنمية لسنوات طويلة، حتى أن كثير من التحليلات تذهب إلى أن هذا العمل كان حاسما في تصدر “البيجيدي” للانتخابات لولايتين حكوميتين على التوالي، إذ يحرك الحزب أذرعه الجمعوية للحفاظ على كتلته الناخبة، وأبرزها استخدام حركة التوحيد والإصلاح، ذراع الحزب الدعوي، لحشد الناخبين واستمالتهم.
وتنشط مجموعة من الأحزاب السياسية في هذا العمل، عبر أذرعها الجمعوية والشبابية، في توزيع القفف الرمضانية على المعوزين في الأحياء الشعبية ومدن الصفيح وفي العالم القروي، إضافة إلى تنظيم موائد للإفطار الجماعي، ومساعدة بعض الفئات المعوزة مقابل حفزهم على التصويت لصالحهم في الانتخابات.
الأمر نفسه بالنسبة إلى حزب الاستقلال، الذي انتشرت أشرطة فيديو توثق عمليات إنسانية تشرف عليها أذرعه، منها تلك المتعلقة بتوزيع دجاج حي على مواطنين، في واقعة أثارت جدلا كبيرا.
وتجدر الإشارة، إلى أن التداعيات الوخيمة التي سببتها جائحة “كوفيد 19″، شكلت أرضية مناسبة لمجموعة من الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية التابعة لها، لترفع من وتيرة نشاطها مستهدفة بالخصوص الفئات التي تضررت بقوة من تدابير الحجر الصحي والإغلاق الليلي.