يقدم رئيس مجلس المنافسة، السيد ادريس الكراوي، تصور المجلس حول تدبير مرحلة ما بعد جائحة كورونا، مركزا في هذا الإطار على أهمية بناء نموذج تنموي جديد قائم على عقد اجتماعي يقوي الثقة في المؤسسات، وتطوير منظومة وطنية للمنافسة قوية، تكون جزء من الحل الذي تنكب عليه البلاد لمواجهة آثار الأزمة الراهنة.
ما هو تقييمكم للأزمة المترتبة عن جائحة كورونا؟
إن مجلس المنافسة يتابع بيقظة وعن كثب تطور الحالة الاقتصادية المترتبة عن جائحة كورونا، وتأثيراتها على وضعية الأسواق ببلادنا. ويعتبر المجلس أن التدبير الوطني لهذه الأزمة، بتوجيه من جلالة الملك، يصح وصفه بالنموذجي مقارنة مع ما يجري إقليميا ودوليا. كما يعتبر أن الإجراءات الموجهة نحو الأسر الفقيرة وفي وضعية هشاشة، والعمال في القطاعين المهيكل وغير المهيكل، والمقاولات المتضررة، من شأنها أن تخفف من انعكاسات هذه الأزمة.
وفي هذا الإطار، لابد من الإشارة إلى أن مجلس المنافسة منذ بدء هذه الأزمة أصدر رأيا بشأن قرار الحكومة الرامي إلى تحديد أثمنة الكمامات واللوازم الطبية، والمواد الأساسية تفاديا لعمليات المضاربة، وضمانا لتأمين تزويد السوق الوطنية بهذه المواد والمستلزمات.
لكن هذه الأزمة أظهرت كذلك طبيعة التحديات التي تنتظرنا، والمرتبطة جميعها بضرورة الإسراع بوضع النموذج الوطني الجديد للتنمية، وهو النموذج المدعو إلى تحديد أولويات جديدة في اتجاه توفير شروط تحقيق الأمن الغذائي والصناعي والصحي والاجتماعي والمالي، معززا في الآن نفسه الأسس الداخلية لتطوير الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي، وذلك بالاعتماد على ميزات المقارنة التي تتوفر عليها بلادنا، والتي هي كثيرة ومتنوعة.
وضمن هذا الأفق، فإن تطوير منظومة وطنية للمنافسة قوية يعد مكونا رئيسيا لتحقيق هذه الأهداف. وبناءا عليه فإن المنافسة جزء من الحل الذي تنكب عليه بلادنا لمواجهة آثار هذه الأزمة ، ومكو ن رئيسي للنموذج التنموي الجديد المنشود.
ما إجراءات المجلس خلال هذه الأزمة؟
منذ بداية إعمال الحجر الصحي، عزز مجلس المنافسة من
وتيرة عمله باعتماد آليات العمل عن بعد، في احترام تام لمساطر وآجال معالجة
الحالات التي لم تعرف انقطاعا خلال مدة الحجر الصحي. فخلال هذه المدة، عقدت اللجنة
الدائمة للمجلس ثمانية اجتماعات، صادقت خلالها على 23 قرارا متعلقا بالتركيزات
الاقتصادية، وأبدت رأيا بشأن طلب الحكومة المتعلق بتحديد أسعار الكمامات واللوازم
الطبية التي فرضتها الأزمة.
وستعقد الجلسة العامة للمجلس
يوم الخميس المقبل، دورة استثنائية لها قصد المصادقة على التقرير السنوي برسم سنة
2019، وعلى مشروع رأي حول موضوع مهم وآني ألا وهو وضعية المنافسة في سوق الأداء
الإلكتروني بواسطة البطاقات البنكية، فضلا عن عقد اجتماعات للفروع و لمختلف
المديريات بهدف استكمال الأوراش المهيكلة الكبرى التي أعد ها المجلس في إطار مخططه
2019- 2023، وعلى رأسها إحداث المقياس الوطني للمنافسة، ومرصد لليقظة القانونية
والاقتصادية والتنافسية، والاستطلاع السنوي للرأي حول أوضاع المنافسة في الأسواق.
ما هي الأنشطة التي سينكب عليها المجلس بعد الحجر الصحي؟
يعي أعضاء المجلس تمام الوعي بأن مرحلة ما بعد الحجر الصحي ستطرح على المجلس تحديات جديدة متعلقة بمهامه المتعلقة بمراقبة أوضاع المنافسة في الأسواق، كما هو منصوص عليه في قانون المنافسة ببلادنا.
وفي هذا الصدد، هناك ثلاثة مجالات ستحظى باهتمام المجلس، كلها مرتبطة بمخلفات أزمة جائحة كورونا، علما أنه ليس وضع تدابير للحد من الممارسات المنافية للمنافسة هو الذي سيعالج لوحده الأزمة الاقتصادية الحالية الناجمة عن هذا الوباء.
يرتبط المجال الأول بوضع اقتصادي عام سيشهد ندرة بعض المواد الأساسية، والسلع الأولية والمستلزمات التجهيزية، سيحتم على مجلس المنافسة العمل على أن لا يكون المستهلكون ضحية لمضاربين يعمدون إلى التخزين غير المشروع لخلق أوضاع تشعل فتيل الأثمنة، وتضر بالقدرة الشرائية للمواطنين. فالمجلس مطالب هنا بالتحلي باليقظة وبالاستباقية للحيلولة دون أن يسمح بهذه الممارسات المنافية للمنافسة الحرة والنزيهة ذات الآثار السلبية على المستهلكين، وعلى قدرتهم الشرائية.
أما المجال الثاني فيتعلق بضرورة مراقبة أن لا تتحول الإعانات والتحفيزات والإعفاءات العمومية المقدمة للمقاولات، وكذا الطلبيات العمومية إلى عوامل تضر بوضعية المنافسة في الأسواق، خاصة إذا مورست بطرق انتقائية بين القطاعات الإنتاجية والمجالات الترابية، والفئات الاجتماعية، والمواد الأساسية والسلع الأولوية والمستلزمات التجهيزية.
ويخص المجال الثالث عمليات التركيز الاقتصادي، التي ستعرف تطور ملموسا في الفترة ما بعد الحجر الصحي، حيث ستشهد دينامية غير مسبوقة على غرار أية مرحلة ما بعد الأزمات، كما ستتسم ببزوغ تركيزات اقتصادية من نوع جديد تفرضها إعادة هيكلة الأسواق والقطاعات الاقتصادية وطنيا ودوليا.
وهذا ما سيطرح على مجلس المنافسة وضع مساطر ملائمة
وصارمة لمراقبة عمليات التركيز الاقتصادي هاته، حتى لا تتحول إلى وضعيات احتكار في
بعض الأسواق، مع الحرص على تفادي كل ما يمكن أن يعوق، على هذا الصعيد، تشكيل
مجموعات مقاولاتية وطنية قوية رائدة.
وعلى ذكر هذه النقطة الأخيرة، لابد من الإشارة إلى
أن بلادنا أظهرت قدرة حقيقية للتصدي لعنف هذه الأزمة في هذه المرحلة الأولى من
الجائحة، وأن بإمكانها ربح تحدي بناء نموذج تنموي جديد يستثمر النبوغ الوطني ويثمن
الذكاء الجماعي لكافة مكونات مجتمعنا من أجل تقوية مناعته الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن هذا الهدف يتطلب ،كما دعا لهذا جلالة الملك، وضع عقد اجتماعي جديد ، مبني
على طموح وطني جديد، يحدد معالم حلم مغربي جديد، يقوي الثقة في المؤسسات، ويجن د
كافة الفعاليات والقوى الحية للبلاد من أجل تملكه والانخراط فيه، والمشاركة في
إنجازه.
وسيعمل مجلس المنافسة، طبقا لصلاحياته، على المساهمة في إنجاح هذا الورش الوطني المستقبلي الواعد.