فقدت الحياة الإنسانية الكثير من معالمها وعاداتها عبر العالم، بسبب الفيروس التاجي الذي احتل جل الدول، وأصبح شبحا خفيا يُفسد على الإنسان مظاهر سعادته ونشاطه اليومي. وبدوره المغرب وصله الفيروس وانقطعت بسببه كل الأنشطة والتظاهرات، وأصبح الناس جميعا مشدودين إلى شاشات التلفاز والهواتف يطاردون الأخبار المتحدثة عن اقتراب الفرج، وإيجاد لقاح للفيروس لإنهاء الخوف والمأساة الجماعية.
امتد فيروس كورونا المستجد وتمدد ليشمل كل تفاصيل الحياة، ومع حلول شهر رمضان المبارك يوم غد (السبت 25 أبريل)، يسود رأي جماعي بأنه سيكون مختلفا بكل المعايير عن شهور الصيام التي سبقته عبر التاريخ، ورغم حديث العديد من المصادر عن تزامن الأوبئة مع هذا الشهر، إلا أن هذه أول سنة تفرض فيه الدول الحجر الصحي في هذا الشهر الفضيل، ما سيفرض تغيرا في العادات اليومية للمسلمين جميعا وللمغاربة خاصة.
فبتمديد السلطات المغربية لحالة الطوارئ الصحية إلى غاية 20 ماي، ومع قرار الداخلية يمنع التحرك الليلي من السابعة مساء إلى غاية الخامسة صباحا، تيقن الجميع بأن إعادة النظر في العادات الرمضانية أصبحت أمرا لا مفر منه، وبالمقابل أصبح التكيف مع هذا الوضع وخلق أجواء تخترم قواعد السلامة الصحية هو الشغل الشاغل للجميع.
رمضان بدون صلاة تروايح
من أكثر الأشياء التي كانت تضفي على شهر رمضان مسحة من القدسية والهيبة هي صفوف المصلين التي تملأ المساجد والساحات والطرقات المجاورة لها، رجال وشيوخ وأطفال وشباب ونساء يحجون إلى صلاة التراويح ليربطوا الاتصال مع خالقهم ويقضوا وقتا مهما في التخشع والعبادة، التي أصبحت طقسا اجتماعيا إلى جانب كونها طقسا دينيا.
هذه السنة أغلقت المساجد وأفتى المجلس الأعلى العلمي بأن صلاة التروايح من المنازل، ورغم تقبل الجميع لهذا القرار المنبثق من أحكام الدين الإسلامي، الذي يولي أهمية مطلقة للحياة، إلا أن النفوس بقيت تحتفظ بغصة غياب طقس ديني رمضاني مهم.
لا مقاهي لا لقاءات..
اعتاد أغلب المغاربة أن يحجوا في الليالي الرمضانية إلى المقاهي ليملؤوها، ويجلسوا مع بعضهم لينتعشوا بنسيم الليل، بعد يوم كامل من الصيام في أجواء الحر والعمل والالتزامات، عبر مجموعات يجلسون لتبادل الأحاديث والمسامرة وتبادل النكت وغيرها، غير أن الجائحة كان لها رأي أخر.
وإلى جانب ذلك، ستفتقد أجواء التجول ليلا والخروج من أجل تكسير رتابة اليوم، بعدما كانت سلوكا عند أغلب المغاربة، مع ما يصاحبها من طقوس لاقتناء السلع والمنتوجات، وزيارة الأهل وصلة الرحم بين العائلات، لكن بغياب هذه العادات ستغيب معها نكهة خاصة من نكهات الشهر الفضيل.
الأسواق في رمضان
تترسخ في ذهن المغاربة صورة مميزة عن الأسواق في شهر رمضان، حيث الوفرة في المنتوجات والروائح الخاصة التي تنبعث من المحلات التي تبيع حلويات “الشباكية” وغيرها، وتلك التي تعرض “الحرشة” و”المسمن” وغيرها من المأكولات، التي تعتبر وجبات أساسية في مائدة إفطار المغاربة.
وليست المحلات وحدها التي تنتعش تجارتها في هذا الشهر بقدر ما أن هناك فئات عريضة تدخل في سلسلة الانتاج، منها النساء اللواتي يُحضرن منتوجاتهن في المنازل لبيعها في الأسواق، وكذلك الشباب العاطل الذي ينتعش بتجارات مختلفة، وخاصة في الأسواق الشعبية.
غياب موائد الرحمان
شرائح مهمة من الفقراء والأطفال بدون مأوى والمشردون وعابري السبيل، اعتادوا أن يجدوا موائد للإفطار في كل المناطق والمدن، تنظمها جمعيات ويسهر عليها شباب ويمولها محسنون، مما كان يجعل من هذا الشهر فرصة للتكافل الاجتماعي والاحساس بالآخرين، كما كانت هذه الموائد والمساهمات بمثابة تخفيف لعبء ثقيل عن أعناق الكثيرين، مما سيترك فراغا لا فكرة إلى حدود الساعة عن كيفية ملئه.
دوريات كرة القدم
عبر مختلف الأحياء والمدن ينتظم شباب في جمعيات مدنية أو تكتلات سكنية، لتنظيم دوريات لكرة القدم لمختلف الأعمار، حيث المنافسة والتشجيع وأجواء الفرحة التي تستقطب الكثيرين، وتعتبر دوريات كرة القدم، التي تنظم خلال الساعات التي تسبق آذان صلاة المغرب، من الأجواء الخاصة خلال شهر رمضان بالمغرب.
كل ما تم سرده إضافة إلى عادات وتقاليد أخرى تميز المغاربة عمن سواهم خلال هذا الشهر، لن يكون متاحا هذه السنة ممارستها كما المعتاد، ورغم أن جوا من الكآبة سيسود إلا أن إرادة الحياة والانتصار للمستقبل هذي التي ستنتصر، خاصة وأن المغرب يعيش فترة هامة ومفصلية من تطور الوباء.