*إدريس الگنبوري
ينقضي شهر على جائحة كورونا ويدخل العالم الشهر الثاني، وربما سيحتاج شهرا ثالثا لا قدر الله. وفي هذا الشهر حصلت تطورات وتحولات كبرى في ربوع العالم كله، أرضا وسماء، برا وبحرا، واليوم تحمل الأخبار نبأ هبوط أسعار النفط إلى أقل مستوى له منذ ثلاثين عاما، دولار واحد. ولنا أن نقدر حجم الكارثة على بلدان تعتمد على هذه المادة السوداء، وكيف سيؤثر ذلك على مركزها وموقعها الإقليمي والعالمي وبرنامجها السياسي الدولي.
فلا أحد يعرف إلى أين تسير الأمور، ولا يمكن أن يخدعنا شيء، فلا علوم ما يسمى المستقبل ولا الاستشراف بقادرين على التكهن، لأن ما يحصل اليوم يبدو كما لو أنه عطل كل شيء: الصناعة والتجارة والحركة والطيران، كل شيء بدا كما لو أنه فشل تماما أمام قوة جارفة، الشيء الوحيد الذي لا يزال يعمل هو الإعلام، حيث يمكن للبشر أن يخاطبوا البشر، وإلا كنا سندخل في عصر الظلام والخوف.
لكن مع ذلك لا زلنا نتكلم نفس اللغة السابقة، لغة ما قبل كورونا. كلنا نبحث في قلب هذه الجائحة عن العلاج، لكن قليلون منا يبحثون عن الخالق. فلا يزال الصراع القديم يتجدد، البشر لا يريد أن يرى أبعد من المادة، ولا يقبل عقله تفسيرا آخر. إنه يعزي نفسه ويسليها، ويبتلع كل منا التفسير الذي يعجبه، كما يبتلع المريض الدواء.
لكن حتى في أوروبا، غُلبت الروم. ففي روما قال رئيس الوزراء الإيطالي أمام المواطنين وهو يبكي:”لقد خسرنا المعركة في مواجهة كورونا، الله وحده هو القادر على مساعدتنا” وطلب من الشعب الإيطالي الصلاة.
إنها ليست أي دولة. إنها إيطاليا، بلد البندقية، من حيث خرجت النهضة الأوروبية، والمكان الثاني الذي شهد الصراع الدموي مع الكنيسة بعد ألمانيا.
لكن اعتراف المسؤول الإيطالي ليس مبررا لكي يعترف آخرون منا أو من غيرنا. كل يوضع على لسانه ما في قلبه.
لكن السؤال المحير: هل هذا يحدث عبثا؟ هل يوجد عبث في الكون بحيث يحصل كل هذا بشكل فاق الغرابة وكأن الكون معلق في الهواء، أو كما قال بعض الفلاسفة الأوروبيين إن الرب ـ الرب الذي في الإنجيل ـ خلق الكون ثم تخلى عنه؟.
ولكن الله الذي خلق الكون فعلا، الله الذي في القرآن الكريم، لم يخلق الكون عبثا ولم يتخل عنه، حاشاه. إنه مالك الكون، وهو الذي يتصرف فيه كما يشاء، ونحن لا نعرف حكمة الله، لكن من واجبنا أن نعرف مكره. فما يحدث أمر في غاية العجب، بل في منتهى العجب، بل ما قرأنا في كتب الأولين والآخرين مثله. ولكن ما يخيف أكثر هو العين الطبيعية، أن نرى الأمور بنفس العين التي في الوجه لا بعين القلب.
ونحن على أبواب رمضان، علينا أن نأخذ العبرة وأن نسأل الله سبحانه وتعالى العافية، وأن ينزل رحمته على البشرية جمعاء، فنحن في سفينة واحدة. اليوم ظهر جليا ذلك الخطاب القرآني إلى الناس أجمعين”يا أيها الناس…”، وظهر معنى الآية”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”. علم الله أن الإنسان واحد وأنه مستخلف في الأرض، وأنه سيفسد فيها ويسفك الدماء كما قالت الملائكة، فأرسل أنبياءه على دفعات، تدريبا للناس على الهداية، ثم أرسل خاتم النبيين دفعة واحدة للجميع لأن مرحلة التدريب انتهت، وجاءت مرحلة المسؤولية.
نتمنى أن تستيقظ البشرية بعد هذه الجائحة وتدرك مسؤوليتها، وأن يدفعنا هذا إلى أن نعرف أخطاءنا ومعاصينا، وأن نفهم المقصود من قوله تعالى”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
*أكاديمي وإعلامي مغربي