أفاد محمد لهبوب، الأستاذ الباحث في علم النفس الاجتماعي، أن المغاربة تعاملوا بتدرج مع وباء فيروس كورونا، من الاستخفاف إلى الخوف والهلع ثم التعامل بمسؤولية، مع استمرار بعض حالات خرق الطوارئ، التي أرجعها إلى الاعتقاد بوجود عناية إلهية خاصة والتمتع بقوة جسدية، إضافة إلى أسباب نفسية واجتماعية أخرى.
وفي سياق تحليل المسار الذي أخذته عملية التأقلم مع الطوارئ عند المغاربة، أورد لهبوب أن الإنسان لا يتأقلم دفعة واحدة، بل بشكل متدرج، ذلك أن عملية التأقلم بحسبه “ليست عملية بسيطة وتلقائية وآنية، بل عملية نفسية وذهنية وسلوكية تتم عبر صيرورة زمنية تتحكم في إيقاعاتها مجموعة من المحددات الذاتية والشروط الموضوعية”.
وأوضح لهبوب، في حوار مع “أمَزان24″، أنه كان من الطبيعي في بدايات الحالة الوبائية للفيروس في المغرب أن يرتفع منسوب الخوف والقلق ليصل إلى حالات من الهلع والرهاب، لكن بدأ منسوب الخوف في الانخفاض والانتقال من خوف مرضي يطبعه الهلع والرهاب إلى خوف صحي وطبيعي وواقعي، وهو ما ترتب عنه وفق المتحدث ذاته ارتفاع نسبي في مستويات التأقلم النفسي والاجتماعي لدى فئات عريضة من المجتمع، وتقبل أغلبها لتداعيات الوضع رغم صعوبته.
وعن استمرار تسجيل مجموعة من السلوكات والممارسات المنفلتة عن الحجر الصحي، خصوصا لدى الفئات الاجتماعية الشعبية وفي الفضاءات الخاصة بأنشطة التجارة والتسوق والتبضع، فعزا لهبوب ذلك إلى بعض الخصائص النفسية والاجتماعية، إذ إن “هذه الفئات تتميز في غالبيتها – بدون تعميم- بتدني مستويات الوعي وبانتشار الأمية والجهل، وبهيمنة الفهم السطحي والخرافي للظواهر الإنسانية والطبيعية”. وأضاف مفسرا أن هذه الفئات، “تنتظم سيكولوجيا ومعرفيا ضمن بنيات تقليدية تهيمن عليها العادات والتقاليد الموروثة، والاعتقاد في قدرية وعناية إلهية خاصة، أو في التمتع بمقاومة جسدية تم تحصيلها من عادات خاصة في الأكل والشرب، مع ميل ونزوع نحو أساليب الوقاية والتداوي الشعبي، التي يروج لها بعض الدجالين من محترفي ما يسمى “بطب الأعشاب” والخلطات العجيبة والوصفات السحرية”.
وأبرز الأستاذ الباحث في علم النفس الاجتماعي، أن “حاجة وعوز العديد من الأفراد يدفعهم إلى الخروج والبحث من داخل الأسواق عن أنشطة وأعمال لكسب قوتهم اليومي، لاسيما مع ارتفاع نسبة البطالة أو بسبب توقف العديد من الناس عن العمل، وبما أن الأسواق الشعبية هي الفضاءات التي تعرف في هذه الظرفية حركية ورواجا، فهي تبقى الملاذ الوحيد لهذه الفئة كمحاولة منها لتصريف الأزمة ولو بمهن وأنشطة مؤقتة”.
وجاء في معرض تحليل لهبوب، أن “الطبيعة التنظيمية والمرفولوجية للأسواق الشعبية؛ يلاحظ أنها لا تخضع أساسا لمنطق تنظيمي معين بل يطبعها نوع من الفوضى، مما يجعلها فضاء للازدحام والتجمهر”، وأن هذه الأسواق ظلت على نفس الشاكلة ولم تتغير لا من حيث توزيع مواقع البيع والشراء، ولا من حيث تنظيم العمليات والأنشطة التي تتم داخلها، وهو ما جعل منها فضاءات ممتلئة ومزدحمة، حيث يصعب فيها مثلا احترام مسافات الأمان أو تنظيم عملية البيع والشراء، لأن في الأصل مواقع ونقط هذه العملية غير منظمة.
وشدد لهبوب، أن كل هذه العناصر الذاتية والموضوعية تفسر استمرار ظاهرة الاكتظاظ والازدحام داخل الأسواق الشعبية، وهي ظاهرة مستعصية من الصعب معالجتها بشكل آني، لأن ما أفسدته سياسات التجهيل والتفقير والتهميش، لا يمكن إصلاحه بين عشية وضحاها، ومن الصعب تداركه بتدابير مستعجلة وآنية.