أحمد عصيد
تشن أطراف من التيار الإسلامي المتشدّد حملة ضدّ كاتب هذه السطور بسبب ما صرحتُ به من إمكان تعرض الصائم خلال شهر رمضان لخطر إضعاف مناعته في مواجهة الوباء، معتبرة ذلك تحريضا للمغاربة على عدم الصيام وعلى إبطال شعيرة دينية، وبهذا الصدد أدلي للرأي العام بالتدقيقات التالية:
ـ إن ما صرحت به يتعلق يظرف محدّد غير عادي، وهو وجود وباء عالمي خطير يهدّد جميع بلدان المعمور ومنها المغرب، وأن ما اعتمدته في ذلك لم يكن اختلاقا شخصيا بل ما قيل ونشر في منابر أجنبية ووطنية، عن ضرورة الوقاية باستعمال السوائل الساخنة طوال اليوم لتجنب جفاف الحلق، ومن تمّ فاتهامي بالسعي إلى إبطال شعيرة دينية أو حكم تكليفي أمر باطل بإطلاق وغير وارد، حيث أن جميع التدابير التي تتخذ في ظرف الوباء كتأجيل العبادات والطقوس التعبدية الجماعية مثل إغلاق المساجد ومنع صلاة التراويح والحج والعمرة أو التخوف من خطر الصيام لا تعد إبطالا لتلك الشعائر الدينية أو تعطيلا لها كما اعتقد بعض المتطرفين، بل تدبيرا وقائيا ظرفيا لحماية أرواح وصحة المواطنين، لأن حفظ الحياة مقدم على حفظ الشعائر، كما أن السياق والحدث هما اللذان يحكمان تدابير الدولة والمجتمع معا.
ـ أن هذا الموقف الذي عبرنا عنه يعارضه موقف آخر يعتبر بأن الاحتياط في رمضان غير ضروري وأن استعمال السوائل لا يقي من الوباء، ومن تمّ يمكن الصيام بدون مخاطر، وهذا الخلاف بين الموقفين عرفته كل بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط وخاصة الجزائر وتونس ومصر منذ أسبوع من هذا التاريخ، وقد تفاعل معه الأطباء ورجال الدين والمثقفون، وانتهى بقرار المؤسسات الرسمية بإقرار الصيام، معتبرة أن التخوفات التي عبر عنها الطرف الآخر ليست مبررا للإفطار.
ـ أن هذه المؤسسات لم تتخذ قرارها إلا بعد استشارة أهل الاختصاص من الأطباء على حدّ قولها، حيث أعلن الأزهر في فتوى خلال احتدام النقاش في المجتمع أن “الحديث عن إفطار المسلم كإجراء وقائي بترطيب الفم للحماية من العدوى، سابق لأوانه”، مضيفا “لا يجوز للمسلمين الإفطار في رمضان إلا إذا ثبت علميّاً أنَّ لعدم شرب الماء تأثيراً صحياً على الصائمين؛ كإجراء وقائي لهم من الإصابة بهذا المرض بالإفطار في رمضان”. ولم يقم الأزهر بالتهجم على الطرف الآخر واتهامه والتحريض ضدّه بل اعتبر أن الفصل في ذلك بيد الأطباء المتخصصين.
ـ أن الرأي في صيام رمضان أو عدمه في ظل النقاش الدائر بين التيارين الحداثي والإسلامي هو للطبّ والعلم، والقرار للدولة بمؤسساتها، وكل ما قررته الدولة المغربية نعتبره تدبيرا وطنيا ينبغي أن يحترمه الجميع حتى ولو خالف القناعات الشخصية لهذا الطرف أو ذاك، وذلك كما هو شأن قرار الحجر الصحي الحالي والتدابير الأخرى المتخذة.