مع الانتشار الواسع لفيروس كورونا المستجد، ألغيت عدة مؤتمرات وملتقيات وطنية ودولية بسبب الحجر الصحي العالمي المفروض على سكان الأرض جراء هذه الجائحة، وهي تدابير اتخذت للحد من تفشي الوباء، لكن بالرغم من ذلك، انطلقت تجارب فريدة لمؤتمرات افتراضية عقدت في ظل هذا المناخ الصحي الاستثنائي، في محاولة من منظميها للتكيف مع هذه الأزمة، وتوظيف وسائل التواصل الحديثة، والتطور التكنولوجي المتاح للاستمرار في العمل، ومواصلة تبادل الخبرات والتجارب في مجالات مختلفة.
وفي هذا السياق، شكل المؤتمر الوطني عن بعد لمهنيي الصحة الذي نظمته الجمعية المغربية للتواصل الصحي، يوم السبت الماضي، تحت عنوان “كوفيد-19 : مستجدات وتساؤلات”، تجربة فريدة في هذا الباب، حيث قام أطباء وخبراء ينتمون لخمسة مستشفيات جامعية بالمغرب، وهي الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش ووجدة، بعرض محاضراتهم من مكاتبهم الخاصة الموجهة بالأساس لمهنيي الصحة من أطباء وأطباء أسنان وصيادلة وممرضين وطلبة.
ولأن المعضلة الصحية التي يواجهها المغرب اليوم ، بسبب هذا الوباء العالمي ، تستوجب تعميق النقاش بين المهنيين حول الفيروس وسبل علاجه، وكذا تعميم الفائدة ، تم عرض مداخلات المحاضرين في المؤتمر باللغة العربية السهلة الأقرب إلى الدارجة المغربية، مما أعطاها نكهة خاصة وقوة كبيرة في التواصل أدت إلى توسيع دائرة المتابعين، لتشمل فضلا عن المهنيين، عموم المواطنين.
هذا المؤتمر العلمي الذي تطرق عن بعد، لجميع جوانب هذا المرض بداية من خصائص الفيروس ووسائل التشخيص إلى سبل العلاج من قبل أخصائيين في علم الفيروسات والمكروبيولوجيا، وأمراض الجهاز التنفسي، وطب الأطفال، والإنعاش والتخدير، وأمراض النساء والتوليد، وعلم الأوبئة، وطب النفس ، وكذا التمريض، أتاح الفرصة للمهنيين والمهتمين من الجمهور، لمتابعة أشغاله عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وطرح تساؤلاتهم وتلقي الإجابات عنها .
هذه التجربة التي تعكس في جانب منها نوعا من التحدي للتباعد الاجتماعي الذي فرضه فيروس كورونا، تبرز قدرة الإنسان الاجتماعي بطبعه، على التأقلم والتكيف مع الأزمات، واعتماد أساليب جديدة مبتكرة للخروج منها ومواصلة الطريق.
وفي هذا السياق، قال البروفيسور جمال الدين البرقادي، أخصائي أمراض الصدر، ومدير مستشفى مولاي يوسف، وعضو اللجنة الوطنية لإعداد التوصيات حول مرض كورونا المستجد، إنه بعد تأجيل مؤتمر الجمعية المغربية للتواصل الصحي الخامس الذي كان مقررا بتاريخ 3-4 أبريل بكلية الطب والصيدلة بمراكش حول “أمراض القلب والشرايين”، ونظرا لحالة الطوارئ المعلنة في ربوع المملكة بسبب جائحة كورونا وحظر التجمعات والمؤتمرات وغيرها ، “قررنا بدلا من ذلك عقد مؤتمر افتراضي عن بعد حول المستجدات الراهنة المتعلقة بوباء كورونا حتى يتسنى للجميع المساهمة من الناحية العلمية، كل من موقعه، لتعم الفائدة”.
واعتبر البرقادي، الأستاذ بكلية الطب والصيدلة بالرباط – جامعة محمد الخامس، ورئيس المؤتمر، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه التجربة التي تعد الأولى من نوعها في تاريخ الجمعية، والتي فرضها الوضع الصحي الاستثنائي الراهن بالبلاد وفي كل أنحاء العالم ” كانت تجربة ناجحة جدا، لقيت ترحيبا كبيرا من المشاركين وتفاعلا إيجابيا من المتابعين من الجمهور الذين تجاوز عددهم 16 ألف شخص من داخل الوطن وخارجه”.
وأشار إلى أن التعليقات والارتسامات التي تلت المؤتمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وردت من عدة دول كالسينغال والكويت والإمارات وليبيا وغيرها كلها تنوه بالتجربة، خصوصا وأن عرض محاضرات علمية لأخصائيين في الطب وعلم الفيروسات والأوبئة باللغة العربية، مكن من استقطاب شريحة واسعة من المتابعين ، ولقي ارتياحا كبيرا بين المهنيين.
ولفت البروفيسور إلى أن “هذه التجربة فريدة بالفعل”، وأن عددا من الجمعيات العلمية على الصعيدين الوطني والدولي بدأت تعقد مؤتمراتها عن بعد في ظل هذه الجائحة العالمية، مشيرا إلى أن “الحجر الصحي المفروض اليوم سيؤسس حتما لطرق جديدة في التواصل، ونحن اليوم نفكر داخل الجمعية في عقد مؤتمراتنا السنوية بشكل افتراضي وبكيفية دائمة، وربما أيضا ندوات دورية كل ثلاثة أو أربعة أشهر ننور من خلالها الرأي العام حول موضوع مستجد أو غيره من المواضيع والقضايا الصحية”.
وحول إيجابيات المؤتمرات الافتراضية، أوضح السيد البرقادي، رئيس الجمعية المغربية للتواصل الصحي، أنها تتمثل في كلفتها الزهيدة من الناحية اللوجيستية ، كالنقل ، والمبيت، والأكل وغيرها من التكاليف المرافقة عادة لعقد المؤتمرات ، كما أنها تختصر الوقت والمسافات ..، “وهي امتيازات ينبغي أخذها بعين الاعتبار حتى نؤسس لجيل جديد من المؤتمرات يوسع من قاعدة المشاركين والمتابعين أيضا”.
كما أن هذه التجربة التي تستخدم فيها تقنية الفيديو، يضيف البروفيسور، تتيح لمن لم يحظ بمتابعتها مباشرة، العودة إلى التسجيل وقتما شاء ، بينما المؤتمر الواقعي يحضره في أحسن الأحوال ما بين 300 إلى 500 مشارك ، ويكون طبعا أكثر كلفة من حيث الإعداد والترتيب .
فهل يؤسس وباء كورونا لطرق جديدة في التواصل وتبادل الخبرات على الصعيد الوطني والعالمي ، بفعالية أكبر، وتكلفة أقل؟