محمد مصحو
استفاقت البشرية على أنباء مفادها أن دولة الصين ألم بها فيروس يهدد صحة سلامة مواطنيها، وهو من بين الأمراض المعدية والتي تعصف بالجهاز التنفسي للمصاب، كما أن تمظهرات انتشاره متعددة وسريعة، فانقسم المتتبعون بين شامت لما ألم بها موعزا موقفه اللاإنساني لغضب إلاهي جراء إنتهاكها لحقوق أقلية إسلامية وآخر يعتبره نتيجة حتمية للنظام الغذائي الوحشي والهمجي، الذي لا تسلم منه كل المخلوقات والكائنات الحية حتى السامة منها. وبين من اتخد موقفا محايدا سلبيا طالما أنه غير معني بما يقع في بقعة ترابية بعيدة عنه وغياب روابط ثقافية، دينية أو قيم إيديولوجية مشتركة انسجاما المقولة الشعبية “اللي بعيد على العين بعيد على القلب”.
ليتضح من خلال الوباء الزاحف خطورة الموقفين وعدم إرتكازهما على أي أساس أخلاقي وإنساني ويتعارض قطعا مع منظومة القيم الإنسانية وتعاليم الرسالات السماوية السمحة..
وفي هذا الصدد وبعجالة واقتضاب شديدين سأحاول بيان الدروس والعبر التي لقنها كورونا للبشرة وللمنتظم الدولي عموما من خلال محورين يتم في الأول بسط كرون لوجي لتمظهرات الوباء وانعكاساته على الإنسانية لأعرج بعد على حتمية المقاربة العالمية والكونية لكل ما يهدد الإنسانية في إطار تعزيز وتقوية التعايش والتعاون الدولي الإنساني..
وسيتم مقاربة الموضوع بشكل مبسط وفق منهج تاريخي وصفي دون التعمق في الأبعاد العلمية والقانونية ليحقق الإفادة المرجوة..
المبحث الأول : ظهور وتجلي فيروس كورونا covid19 في الزمكان..
تم تسجيل أول حالة لفيروس متجدد سمي علميا بكوفيد 19 في الصين بمقاطع hubei provice في دجنبر 2019, لكن تم التكتك عليه من قبل سلطات البلد لإعتبارات مقصودة أو لعدم إعطاء الأهمية اللازمة لخطورة الفيروس على حياة الإنسان وسرعة رحفه وإنتشاره، بل أن السلطات المحلية للصين عمدت على إحتجاز كل من قام بنشر أو إذاعة أخبار وتقارير عن الفيروس ومتابعتهم قضائيا بنشر وترويج الشائعات وترهيب الساكنة بمن فيهم الطبيب لي وينليانغ الذي كان يمارس إسعاف وعلاج المصابين بمستشفى ووهان بؤرة تمركز الفيروس، لكن وفاة هذا الأخير متأثرا بمضاعفات الفيروس على الجهاز التنفسي وإرتفاع أعداد المصابين وسرعة إنشاره المخيف دفع بالصين إلى إبلاغ منظمة الصحة العالمية WHO عن حقيقة وخطورة الفيروس المستجد، إلا أن هذا الإبلاغ جاء بعد أن إكتسح الوباء دولا أخرى وحصد أرواح عدة، وحتى بعد تصنيف منظمة الصحة العالمية الفيروس كجائحة تفرض حالة طوارئ صحية عالمية كان الوباء قد إنتقل من الإقليمية للعالمية وأن التصدي لم يعد بالسهولة والسرعة التي تجنب البشرية خسائر كبيرة في الأموال والأرواح..
لتجد الدول نفسها وبشكل مباغت وداهم في مواجهة مباشرة مع زائر إنتهازي سيسلب أرواح مواطنيها ويعصف بمصالحها، مما جعل كل دولة على حدة تنكب حسب إمكانياتها وأطرها ومقاربتها الذاتية في التصدي للوباء والتخفيف من وطءه وهي التدابير التي تفاوتت حدتها من دولة لأخرى ما انعكس على حجم الكارثة ووقعها على كل بلد فعلى سبيل المثال دولة إيطاليا لم تنهج سياسة وقائية صارمة واستمرت جميع مرافقها في سيرورتهاالعادية مع حث الساكنة على التقيد بتدبير إحترازية مقدمة بذلك عجلة إقتصادها ومصالحها المالية على سلامة الناس وأرواحهم ومن جهة أخرى استهانت بخطورة الوباء وتعدد أشكال إنتقاله فكانت لمساوئ هاته المقاربة أن حاضر الوباء البلد ب مته في ظرف وجيز وارتفع عدد الوفيات لقدر مهول فكان لزام إعتماد حظر التجوال وتوقيف عمل كل المرافق بإستثناء اللازمة لمجابهة الوباء وهنا يكمن البعد الإنتهازي للفيروس المتجدد لا تدرج ولا بطء في تدابير محاضرته والتصدي له..
ومن الدول من كان لها موقفا متميزا وإستباقيا ومرونة كبيرة في إيجاد مقاربة فعالة في تزيم والحد من إمتداده وخير نموذج أسوقه بإفتخار وبموضوعية في هذا الصدد بلدي المغرب الذي أبان عن حس إستباقي وعميق في تعاطيه مع هذا الوباء وبالسرعة والصرامة والجدية اللازمة وهي الخطة التي إنخرط فيها الجميع ملكا وشعبا، أطرا ومؤسسات فكان إعتماد الحجر الصحي من الساعات القلائل لبروز الوباء فرصة سانحة لضبط والحد من انتشاره، رافقه الحس التضامني للجميع في التقليل من وقع الوباء على القطاعات والمواطنين عبر فتح باب مساهمة إختيارية تسابق لها كل من كانت له الإمكانيات أو لم تكن حبا في الوطن وتجندا للدفاع عن مواطنيه، كذلك تجندت الحكومة والمؤسسات لإصدار الإطارات التنظيمية للمرحلة قانونية كانت أم إدارية، فالدولة الديمقراطية الإنسانية تترجم قيمها النبيلة والإنسانية في كل الأحوال والأوضاع إلا ما كان من تدرج الحقوق في الأولوية فمنع أو الحد من حق التجوال كان باعثه الحفاظ على حق أقدس بل منطلق باقي الحقوق ألا وهو الحق في الحياة..
وسأعود بتفصيل في مقال قادم لإبراز تعاطي المغرب مع الوباء على المستوى القانوني والحقوقي الإنساني.
فأجد نفسي لا أبالغ إن سطرت أن المغرب كان نموذجا مشرفا وملحميا تناقلته وسائل إعلام عالمية لإستلهام نفس الروح الإنسانية العالية والحس التضامني بين مختلف مكوناته وهي النقطة التي تحيلنا على المحور الموالي..
المبحث الثاني: تعزيز كورونا المتجدد للتضامن العالمي والتعايش الإنساني مستقبلا..
لا يجادل أحد في أن لكل محنة مواعظ وعبر وإن كانت عبر تجرع مرارتها لكنها تكون أبلغ ويبقى بعده الرهان في الإستفادة منها بالشكل الذي يقي الإنسانية تبعات مثيلاتها مستقبلا وكيفية التعامل الناجع المتجاوز لكل تحديات الأوبئة على مختلف المستويات، فهذا المصاب الجلل الذي تجلى آنيا في فيروس كورونا المتجدد سلط الضوء على حتمية وضرورة اللحمة الإنسانية في تجاوز كل التحديات المستقبلية التي تكون لها أبعاد عالمية وإن كان منطلقها إقليميا ومحدودا لإيصال سفينة الإنسانية لبر الأمان لأن من شأن تضرر طرف أو جزء ولو بسيط أن يغرفها برمتها في بحر الدمار والخراب..
فقد لامس الجميع الصغير قبل الكبير والبعيد قبل القريب أن ما قد يصيب عمرا في أقصى جبال الهيمالايا قد يمتد ليصل إلى زيد في أقصى جبال الأطلس المتوسط لطبيعة التغيرات التي مست الحياة الإنسانية وما إستدعته من مواكبتها عبر دعم التضامن الإنساني الشمولي، فقد خلخل الوباء الجائح جملة من الترسبات البدائية والأفكار المحدودة الجامدة لدى العديد من الأفراد والدول على السواء، ليعيد تشكيل مفاهيم جديدة ورسم خريطة إنسانية تمتد في أفقها لتعم كافة بقاع الأرض، فقد استوعب المجتمع الدولي أن التقوقع والإنكباب على الحلول الذاتية لكل المخاطر لايعد حلا سليما طالما أن حةالإخفاق في معالجتها قد يفتح المجال لمخاطر أكبر عند دول الجوار بوقع أكبر وحدة أكثر يصعب معها إيجاد الحل السريع ليمتد بعده ليشمل كافة المعمور وإن كان المتسبب أو المكلوم طرف أو بقعة جغرافية محدودة وبعيدة، فوجب تبعا له الإنخراط الجدي والفعلي في الهم الكوني الإنساني من كافة الأطراف بمختلف إنتماءاتها أديانها إديولوجياتها وفي هذا الصدد تبرز تحديات العلاقات الدولية وامتداد الحقوق الإنسانية الكونية بأجيالها الثلاث والتي وجب على المنظم الدولي أن ينخرط بل وينسهر في تبنيها والدفاع عنها بغض النظر عن التمييزات العنصرية المقيتة والتي فرقت على الدوام الجنس البشري وشتت لحمته بدوافع لن تشكل عزاء عند حلول أي كارثة تهدد البشرية جمعاء فتكفي الإنسانية أعظم مشترك بين الناس أجمعين وكل إختلاف حاصل لايرقى للحد من الإنخراط في الأجندات الأممية وبرامج المنظمات الدولية لتجنيب البشرية كوارث تتجاوز نقط خلافية هامشية..
فالتعاون الدولي يلزم كل دولة بالإشعار المبكر بكافة الأخطار التي تتهددها والمستجدات التي اكتشفتها وعدم التكتم وإخفاءها عن المنظم الدولي حتى يهب الجميع في حينه وفق الإمكانيات المتاحة التصدي التهديد في حينه وتجنيب البشرية مضاعفات قد تكون مدمرة لأن التعاون الدولي يفرض ويلزم الدول الأطراف في المنظم الدولي على تقديم المساعدات وأن تتم بالسرعة والفعالة الناجعة كما يلزم الدولة المكلومة من تلقى المساعدات المعروضة طالما كانت موجهة لإنقاد سكانها مع إحترام دائم لمبدأ السيادة..
كما فتح الباب للتنسيق الإنساني بين الدول في مجال المعلومات والبحث العلمي والرصد وكل ما تم التوصل إليه طرف في المنظومة العالمية بالسرعة والإنضباط اللازمين للتصدي والإحاطة لكل تهديد للإنسانية في مهده، ذلك أن التعاون الدولي والتضامن الإنساني قد يصب ويتعذر عندما يجتاح التهديد كيفما كان شكله أغلب البقاع فتنكب كل دولة لتدبير إهتمامها دون إمكانية للإتفاتة لإحتياجات دول أخرى بل وتحافظ على إحتياطاتها وإدخارها لجلها بطول مدة فترة التهديد وهو ما برد مع كورونا حيث وجهت إيطاليا مجموعة من النداءات الإنسانية للإتحاد الأوروبي وللمنتظم العالمي إلا أنه جاء في وقت حرج إنكبت فيه كل الدول على تدبير التهديدات الداخلية للوباء وهو ليس بالأمر اليسير في مرحلة التفشي والتغلغل العميق، وقد نجد إنعكاسا لهاته الأحداث على المنظومة الدولية وإعادة بناد الروابط لكن خلاص البشرية وإنقادها رهين بأن تكون كل التغيرات على مستوى العلاقات الدولية وللمنتظم الدولي تكون على أساس التضامن العالمي والتعايش الإنسان.
لتبقى الخلاصة مجرد نداء إنساني بضرورة الإستفادة من الدروس القاسية التي لقنها إيانا وباء كورونا والتي يجب معها التسريع في تقوية وتعزيز التضامن العالمي والتعايش الإنساني، الذي أصبح خلاص الإنسانية جمعاء في التصدي ومواجهة الجوائح المترصدة بالإنسانية على الدوام، خصوصا وتوافع الإطار القانوني والمؤسساتي العالمي والإنخراط في هذا التوجه أضحى إلزاميا لا ترفا فكريا وسلوكيا..
محام وباحث في حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني