بينما تسهر أطقم طبية في مختلف المستشفيات، على استقبال المرضى وعلاجهم في هذه الظرفية الحساسة، كشفت وقائع كثيرة، منذ بداية تفشي وباء كورونا المستجد بالمغرب، عن خلل في تعامل أجهزة بوزارة الصحة مع تطورات الحالة الوبائية، ووهن كبير في تسيير القطاع المنهك حتى قبل حلول الجائحة. ذلك ما تجلى في تحول بعض الأطباء من دورهم الأساسي في حماية وعلاج المرضى من فيروس كورونا، إلى نقل الوباء بوعي أو بدونه.
وعرفت الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا، تسجيل حالات بلغت 15 إصابة في صفوف أطباء وممرضين، منهم من نقل العدوى من خارج المستشفى إلى داخله، مثل طبيبة المحمدية التي أعارت منزلها لجيرانها لتنظيم جنازة، فأصيبت بالعدوى ونقلتها معها إلى المستشفى، ما يعني أن من الأطباء من لم يعرف كيف يحمي نفسه ومحيطه من الوباء.
وأرجع كثيرون هذه الإصابات إلى ضعف تأهيل وزارة الصحة مواردها البشرية وتكوينهم فيما يخص مواجهة الوباء، بالإضافة إلى عدم تمكينهم من المعدات الضرورية اللازمة لضمان السلامة والوقاية في هذه الأحوال. فقد سبق أن نظم مهنيو الصحة احتجاجات في عز أزمة “كورونا” ضد وزارة الصحة بكل من طنجة ومراكش، وأجابت عنها الوزارة بمراسلة استعطافية موجهة إليهم من أجل مواصلة مهامهم، فضلا عن إعفاء مسؤوليهم بمبرر عدم تطويق الاحتجاجات.
وينضاف إلى ما سلف، حالة طبيب تطوان وزوجته اللذين عادا من دولة أوروبية (اسبانيا) ولم يلتزما بالحجر الطبي، واستمرا في ممارسة مهامهما بشكل عادي، حتى إن الطبيب أجرى عمليتين للتوليد، وبعد تأكيد إصابته بكورونا، جاء رد الوزارة الذي وُصف بالمتسرع، حينما عزلت المندوب الإقليمي في ظرف حرج، واتهمت الطبيب بمخالفة التعليمات الصحية ومخالفة المؤهل الطبي، قبل أن يخرج بتصريح ينفي أن يكون قد تلقى أي تعليمات للالتزام بالحجر الصحي، كما أدلى بشواهد تثبت أنه طبيب متخصص وليس طبيب عام.
وبالإضافة إلى ذلك، تظهر حالة طبيب وزوجته بمصحة معروفة بالرباط، نقلت إليهم العدوى من ابنهما القادم من دولة أوروبية (فرنسا)، واستمرّا في القيام بمهامهما في المصحة إلى أن ثبتت إصابتهما بفيروس كورونا المستجد (كوفيد19).
وفي الوقت الذي ظن كثيرون أن الأطقم الطبية استفادت من الدروس، يدخل مدير مستشفى محمد الخامس بالحي المحمدي بالدار البيضاء، وأطباء وممرضين تابعين له الحجر الصحي، بعدما تأكدت إصابة طبيبتين بالمستشفى بفيروس كورونا المستجد “كوفيد19”.
وبإعلان الإصابتين والحجر الصحي لأطر المستشفى، بالإضافة إلى الحالات السابقة، يكون نزيف القطاع الطبي من وباء كورونا قد بدأ بالفعل في التصاعد، الأمر الذي يخلق تخوفات كبيرة، خصوصا أن القطاع الطبي يعاني نقصا حاد في الموارد البشرية.
وتطرح الإصابات المتكررة السؤال حول معدات الحماية التي تتوفر عليها الأطقم الطبية، وكذا التكوينات التي تتلقاها للتعامل مع الأوضاع الاستثنائية التي خلفها فيروس كورونا المستجد، خصوصا أن أصحاب البذلة البيضاء يوجدون في الواجهة أمام انتشار الوباء.
كلها معطيات تُظهر أن من يقود سفينة الصحة بالمغرب، لا يملك أن يقودها بالشكل المطلوب، خصوصا في مثل ظروف مماثلة، تعتبر فيها الصحة أهم من أي شيء أخر.
وأمام هذا الوضع، تسارعت وتيرة المطالب لوزير الصحة خالد أيت الطالب، للقيام بدوره في مراقبة الأطر الصحية وتوفير شروط السلامة الصحية اللازمة لهم، وتحفيزهم بالشكل المناسب لمواصلة مهامهم، وإيقاف هذا النزيف، حتى لا يصير من ينصحون الناس بالاحتراز وأخذ الاحتياطات ناقلين للعدوى بينهم وإلى مرضاهم ومقرّبيهم بدون وعيهم، وحتى لا تتعمق جروح قطاع الصحة أكثر بفعل الوباء.