بعدما ألفت ساحات وفضاءات التجمعات بالدار البيضاء الاكتظاظ في الأيام العادية، صارت هذه الأيام مهجورة من قبل مرتاديها وزوارها المعتادين، احتياطا واتقاء لشر فيروس كورونا المستجد، الذي انتشر انتشار النار في الهشيم عبر بلدان العالم.
فالساكنة البيضاوية، التي تحب الحياة الليلية وارتياد محلات الوجبات الخفيفة، يبدو أنها انصاعت لنداء السلطات العمومية، التي حثت مجموع المواطنين، يوم الأربعاء الماضي، على الحد من التنقلات، واللجوء إلى “الحجر الصحي” للحماية من الفيروس.
فساحة الأمم المتحدة الشهيرة، مركز المدينة التاريخي، بدت خاوية على عروشها، للمرة الأولى، من آلاف الزوار والمارة، وحتى من “الزبناء”، الذين حرموا من ارتياد المقاهي المعروفة بالساحة، وحتى من المطاعم والمحلبات التي أغلقت منذ يومين.
وعلى غير العادة، حافلات متراصة، غير بعيد عن معلمة “الكرة الأرضية”، أوقفت محركاتها في انتظار ركاب محتملين، مشهد غريب على مدينة من حجم الدار البيضاء، إذ من المألوف، وفي مثل هذا الوقت (بداية المساء)، أن يكون الركاب مصطفين في طوابير انتظار طويلة لحافلة تقلهم نحو بيوتهم.
وغير بعيد عنها، بزارات ودكاكين المدينة القديمة أغلقت بدورها الأبواب، مرغمة “المعاندين” على العودة على أعقابهم، والاجتماع بأقربائهم في جلسة دافئة حول إبريق شاي كبير.
ومن المتداول هذه الأيام، أن خبراء ينصحون بتناول، قدر الإمكان، مشروبات ساخنة كوسيلة طبيعية للوقاية من العدوى بهذا الفيروس المرعب، وسواء أكان ذلك صحيحا أم لا، فإن كأسا من الشاي بالنعناع أو مشروبا ساخنا لن يؤدي أحدا.
وبشارع الزرقطوني، على مقربة من المعلمة الشهيرة والراقية “التوين سانتر”، يبدو الأمر كمشهد من أفلام “السباغيتي ويسترن “، (western-spaghetti)، لا تنقصه سوى مقطوعة موسيقية لإنيو موريكوني، الذي أتى فيروس كورونا على الأخضر واليابس ببلاده.
إن المواقف والسلوكيات التي صدرت عن جزء كبير من ساكنة الدار البيضاء مفاجأة سارة من مدينة عرف عنها أنها صلبة ولا تقهر، وشهادة عن وعي راق بالخطر المحدق بالبلاد، وعن مسؤولية كل واحد من أبنائها في بذل التضحيات والمساهمة في حماية الكيان الوطني، حتى لو استدعى الأمر الدخول في عزلة.
وانسجاما مع الأجواء العامة بالمدينة، أعلن “مروكو مول”، أكبر فضاء تجاري بالعاصمة الاقتصادية للمملكة، والمتواجد بمنطقة عين الذياب، عن إغلاق أبوابه أمس الأربعاء ابتداء من الساعة السادسة مساء، مع ضمان استمرار المرافق الحيوية (متجر البيع الممتاز والصيدلية).
وأما بباب مراكش التاريخي، فالحياة تستأنف بعضا من مجراها حول أكشاك الخضر والفواكه وصناديق السمك، التي تعرض بأسعار مرتفعة نسبيا عن المعتاد.
وإن كانت المملكة ما تزال بعيدة عن ذروة الوباء، إلا أن بعضا من المواد الأساسية ارتفعت أثمانها قليلا، وهو ما يمكن تفسيره بالإقبال غير المسبوق على المواد المعيشية خلال الأيام الأخيرة.
ومع ذلك، فإن تموين سوق الجملة بالمدينة يسير وفق المعتاد، فشاحنات نقل المنتجات الفلاحية تفرغ حمولاتها بشكل اعتيادي، كما وقف على ذلك صحفي وكالة المغرب العربي للأنباء بعين المكان.
وبالأحياء الشعبية والضواحي، أكد شهود عيان أنه لوحظ تراجع ملموس في حركية الناس، مع تجمعات مثناترة بنقط بيع المواد الغذائية.
البيضاويون، وعلى غرار باقي المغاربة، استوعبوا الرسالة جيدا، وانخرطوا في مبادرات تحسيسية تقودها السلطات العمومية بمعية المجتمع المدني وشباب الأنترنت، الكل معبأ على المستويين الواقعي والافتراضي، ولا مجال للمشككين والعابثين.