لطيفة الحمود – بروكسيل
بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها باريس وبروكسيل سنة 2016، كان متوقعا أن يرتفع في أوربا منسوب العنصرية والميز ضد الجاليات من أصول مسلمة، وأن تنتعش الإسلاموفوبيا التي تعد أحداث مذبحة مسجد “كرايست تشيرش” بنيوزيلاندا إحدى تمظهراتها الدموية، التي مازالت تتواصل للأسف.
فقد خلف الأخطبوط العنصري الإرهابي الدموي مؤخرا في مدينة هاناو بألمانيا إحدى عشر قتيلا في الشارع العام. كما أن صعود الحركات اليمينية المتطرفة في أغلب الحكومات الأوربية، لا يمكن إلا أن يزرع مزيدا من الشوك على السلام الذي كان يخيم على أجواء القارة الأوربية الحاضنة للهجرة بكل تلاوينها وتعدداتها.
صعود حزب اليمين المتطرف في النمسا ليتولى ثلاث وزارات سيادية هي الدفاع، الخارجية، والداخلية. وفِي إيطاليا حقق حزب الرابطة اليميني المتطرف انتصارا، وفِي فرنسا تقدم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف حتى على حزب الرئيس ماكرون في الانتخابات الأوروبية، وفِي اسبانيا صعد حزب “فوكس” اليميني المتطرف بشكل مُلفت ليصبح ثالث أكبر حزب في البلاد. أما في بريطانيا فقد فاز حزب “البريكسيت” لتغادر بعده المملكة حضن الاتحاد الأوربي.
وفي ألمانيا احتل حزب “البديل لأجل ألمانيا” اليميني المتطرف المرتبة الثانية في الانتخابات. وفي بلدان هولاندا وبلجيكا والدانمارك والسويد تنامى التوجه اليميني بشكل واضح.
إن أحزاب اليمين المتطرّف تتغذى وتنمو على الأزمات، خاصة تلك المتعلقة بالهجرة والمهاجرين، ولا تتراجع إلا لفائدة أحزاب أخرى أكثر تشددا. وكل القرارات والوعود الانتخابية التي تحد من استرسال الهجرة في التمدد الموضعي والزمني، وتقزم من حرية كيانات الجاليات المهاجرة من أصول مسلمة، تجعل نتائج الاستحقاقات الانتخابية لصالحها، عن طريق حصولها على معدلات عالية من أصوات الناخبين.
هذه التغيرات في الخزان الانتخابي للأحزاب السياسية في أوربا ستنعكس سلبا على المهاجرين بانتهاج سياسات عمومية مناوئة لهم. كما يتجلى في سلوكات عنصرية للأفراد والمؤسسات ضدهم انطلاقا من ذهنية تواصل نشر أجواء مسمومة قصد نبذ وعزل وإسقاط صور نمطية سالبة لمبادئ الديموقراطية والعدالة والحرية والكرامة… وهذا ما حصل بالضبط في مؤسسة تعليمية بمدينة بيرغامو بإيطاليا، حيث تلقى الطلبة من طرف الأطر التربوية للمعهد استبيانا أدرج أسئلة غريبة ذات طابع عنصري من بينها سؤال: هل تعتقد أن السلوك الإجرامي للمغاربة يرجع إلى الاختلافات الثقافية لهذا الشعب؟ وسؤال ثان: هل يتحدر المغاربة من السكان ذوي المهارات والقدرات الأقل تطورا؟ وسؤال ثالث: هل سبق لك وكرهت أي شخص لمجرد أنه مغربي؟ وسؤال آخر: هل ستقوم بتقديم مساعدة لمغربي إذا كان في حاجة إليها؟ وهل تعتتقد أن عيش المغاربة معنا قد يساهم في إغناء ثقافتنا؟ وهل سبق لك أن شعرت بالتقدير حيال مغربي؟
كلها أسئلة موجّهة وصادمة، غير معهودة في مجتمع مؤمن بقيم التسامح والعيش المشترك كالمجتمع الإيطالي. مجتمع له جالية عريضة هاجرت بعد الحرب العالمية الثانية إلى بلدان أوربا الغربية. أسئلة أصابتنا بالذهول، وأثارت ضجة في أوساط المجتمع المدني للهجرة في إيطاليا. هذا الاستبيان داخل مؤسسة تعليمية يستوجب الوقوف على الملابسات الحقيقية لنشر مثل هذا الاستطلاع المخيب للآمال بين الطلاب.
فماذا أعددنا من خطط لمواجهة الإسلاموفوبيا؟ وهل من خارطة طريق للحد من نشر الكراهية والميز العنصري ضد جالياتنا في أوربا حيث أصبح يعشش اليمين المتطرف، ولن يتوانى إن لم نكن مستعدين لمواجهته ثقافيا وديموقراطيا في تفريخ بيضه في كل المستنقعات استعدادا لضرب المكتسبات الحقوقية الكونية التي تضمن العيش المشترك لكل المواطنين الأوروبيين مهما اختلفت أصولهم ودياناتهم.