قضت لطيفة مفتقر مندوبة المعرض الدولي للنشر والكتاب المقام على مدى عشرة أيام بالدار البيضاء في نسخته الـ 26، ما يقارب ثلاثة عقود في وزارة الثقافة، وتدرجت خلالها عبر مجموعة من المهام. وبالنظر إلى منصبها حاليا تبذل مفتقر جهدا كبيرا في السهر على نجاح المعرض، كما تعمل إلى جانب طاقمها على ضمان الأجواء المناسبة لاستقبال زوار المعرض وتنظيم الأنشطة الثقافية والفكرية الموازية له، الشيء الذي انعكس في تحقق مجموعة من الرهانات، خصوصا أن النسخة الحالية تضمنت العديد من الإضافات التي تلقى استحسان الزوار.
في هذا الحوار تجيب لطيفة مفتقر على مجموعة من الأسئلة، حول مدى تحقق رهانات المعرض في دورته الحالية، وحول دلالات حفلات التكريم التي جرى تنظيمها، وأهمية الحضور الموريتاني، كما تحدثت بخصوص المواكبة التي يشهدها هذا الحدث من طرف وزير الثقافة، وحول تنوع البرنامج الثقافي الذي يقترحه المعرض وأهميته في إعادة الوهج للفعل القرائي، بالإضافة إلى دور المعرض في إشاعة قيم التعايش والتنوير والتلاقح الثقافي، مبرزة أهم الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا السياق، خصوصا المتعلقة باستبعاد كل الكتابات التي تمس بثوابت المملكة المغربية أو تزدري الأديان وتحرض على العنف والكراهية، حتى يكون المعرض منبرا حقيقيا لنشر قيم السلام والحوار والإخاء.
وضع المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الحالية مجموعة من الرهانات، هل نجح في تحقيقها ؟
راهنت وزارة الثقافة والشباب والرياضة – قطاع الثقافة – من خلال تنظيمها الدورة الـ 26للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء على تقديم صورة عن الثقافة المغربية في انفتاحها على ثقافات العالم ولغاته وإبداعاته، سواء من خلال البرنامج الثقافي الذي يعكس التوجهات الدستورية فيما يتعلق بالتعدد اللغوي، وتقارب فقراته عدد من القضايا الراهنة حول الإبداع الفني والأدبي، أو من خلال المحصول التأليفي الجديد الذي انضاف إلى الخزانة المغربية، كما يراهن المعرض على فتح المجال للقاء بين جمهور المعرض وبين الكتاب والمبدعين من المغاربة والأجانب المشاركين في هذه الدورة. وحقيقة في هذه الدورة حققنا الرهان الأكبر، المتمثل في أن يكون المعرض الدفعة القوية للثقافة المغربية وللإنتاج الثقافي المغربي، ليتمكن من تعزيز تنافسيته على المستوى العربي والدولي.
يتميز برنامج هذه الدورة بالتنوع، هل انعكس ذلك على نسبة الزوار وهل ساهم في رفع عددهم؟
تقدم وزارة الثقافة والشباب والرياضة – قطاع الثقافة – برنامجا غنيا ومتنوعا من الفعاليات الثقافية التي تحتفي بالجوار الثقافي، من خلال برنامج فعاليات مغربية موريتانية مشتركة، كما تحتفي بالقيم الكونية التي تنتصر للتلاقح والتعايش والتنوير، من خلال فقرات تشارك فيها، إلى جانب شخصيات مرموقة من عالم الفكر والسياسة والاقتصاد، جمهرةٌ من الكتاب والمفكرين والمبدعين، من داخل المغرب ومن المغاربة المقيمين بالخارج، بالإضافة إلى ضيوف من بلدان مغاربية وعربية وإفريقية وأوربية وأمريكية لاتينية.
واعتمدت الوزارة رؤية ناظمة لإخراج البرنامج في صورة تعكس تنزيل مقتضيات الوثيقة الدستورية حول التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، بالإضافة إلى الحرص على الراهنية في طرح القضايا، وعلى العدالة المجالية في اقتراح المشاركين، وعلى الشمولية والتنوع في مقاربة القضايا المتعلقة بمختلف حقول المعرفة، من أدب وفنون وتاريخ وجغرافيا وترجمة وفلسفة وسوسيولوجيا.
كما خصصنا فقرات لتكريم مبدعين وباحثين رحلوا إلى دار البقاء، لكن أسمائهم وأعمالهم باقية في ذاكرة المغرب الثقافي، وكذا فقرات تعزز ثقافة الاحتفاء بالاستحقاق، من خلال تقديم أعمال حازت الصدارة ونالت الجوائز إلى جانب هذا كله؛ أفردنا يوما كاملا هو اليوم المهني ليأتلف فيه مهنيو الكتاب من ناشرين واقتصاديين وحقوقيين وجمعويين وسائر المعنيين بقضايا الكتاب والقراءة، بالإضافة إلى تنظيم برنامج تثقيفي خاص بفئتي الأطفال واليافعين، يستفيدون فيه على مدى عشرة أيام من ورشات علمية وفنية يؤطرها مختصون، إلى جانب لقاءات مباشرة مع كتاب وفنانين ورياضيين وإعلاميين.
كل هذا ساهم بشكل كبير في تزايد عدد الزوار خلال الأيام الأولى للمعرض، الشيء الذي يعكس تجاوب الزوار والقراء مع البرنامج الثقافي والرصيد الوثائقي المعروض هده السنة.
الدورة الـ 26 كرمت عددا من الشخصيات الوطنية التي مازالت على قيد الحياة ومنها التي رحلت إلى دار البقاء، ما دلالات هده الالتفاتة؟
يعرف المغرب الثقافي لحظات حزن وأسى على فقدان أديب أو شاعر أو مفكر، الشيء الذي يستدعي وقفات استعادة رمزية لذكرى من رحلوا، ويرسخ ثقافة الاعتراف بجهود من أغنوا ذاكرتنا الوطنية الجماعية، عبر القراءة أو إعادة نشر الأعمال أو تخليد سير الراحلين في صفوف الأجيال الجديدة والقادمة، هي لحظة لنقول جميعا: “إن ماتوا فهم أحياء في الذاكرة”. أما بخصوص تكريم الأسماء الثقافية والفكرية والإبداعية المتميزة من الجهات الـ 12، فهي التفاتة تعد الأولى من نوعها على صعيد الوزارة، وذلك لتشجيع هده الشخصيات التي أغنت الساحة المغربية على المزيد من العطاء.
حلت الجمهورية الإسلامية الموريتانية كضيف شرف في هذه الدورة، ما حمولات هذا الحضور وإسهامه في تثمين العلاقات بين البلدين؟
اختيار الجمهورية الإسلامية الموريتانيا “ضيف شرف” هذه الدورة، جاء لأن ثمة أكثر من وشيجة أخوية تربط المغرب بموريتانيا على امتداد تاريخ طويل من العلاقات التاريخية والثقافية المتشعبة الأبعاد، حيث شاركت بوفد رسمي وثقافي وفني يضم كتابا وباحثين وشعراء وموسيقيين.
وبالنظــر إلــى عمــق وتشــعب الأواصر التاريخية التي تربــط المملكة المغربية بالجمهوريــة الإسلامية الموريتانية، ومراعاة لتنـوع أوجه العلاقـات بـين البلديـن فـي شـتى دروب الــأدب والفـن، تم تخصيص برنامـج يجمـع ثلـة مـن الباحثين المتخصصين المغاربة والموريتانيين بغايــة بســط النقــاش فــي أبــرز أوجــه المشترك بــين ثقافتــي البلديــن، مستشرفين ســبل تعزيــز واســتثمار امتــدادات هــذا المشترك الثقافــي والحضــاري، بمــا يوطــد وشــائج الأخوة بينهمــا.
يلاحظ الحضور اليومي لوزير الثقافة والشباب والرياضة بأروقة المعرض، ما دلالات ذلك؟
يحظى المعرض الدولي للنشر والكتاب بأهمية كبرى لدى الوزارة، كونه يشكل الحدث الثقافي الأبرز بالمملكة، تماشيا مع الرؤية الملكية المتبصرة الرامية إلى تمكين المغرب من مشروع ثقافي هادف، مشجع على الابتكار والإبداع المجسد للتنوع والتفاعل بين الثقافات الجهوية والوطنية والكونية. ويسهر السيد الحسن عبيابة، وزير الثقافة والشباب والرياضة، الناطق الرسمي باسم الحكومة، على الحضور الدائم للمعرض الدولي للنشر والكتاب، لتتبع سير مختلف الأنشطة المقامة بالمعرض، والقيام بجولات تفقدية لأروقته، لإنجاح الدورة الـ 26 التي تجسد رافعة أساسية للورش الثقافي المؤسس للنموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه صاحب الجلالة نصره الله.
في نظرك، إلى أي حد أعاد المعرض الدولي للكتاب الوهج للفعل القرائي بالمغرب؟
يقام المعرض الدولي للنشر والكتاب سنويا بالدار البيضاء، حيث تشارك فيه العشرات من الدول من مختلف القارات، ويشهد عرض رصيد وثائقي يتجاوز المائة ألف عنوان، تغطي العناوين المعروضة مختلف الحقول المعرفية، الأدب، كتاب الطفل، والعلوم الاجتماعية والديانات، والعلوم الحقة والتطبيقية، والتاريخ والجغرافيا، والفلسفة، والاقتصاد والقانون، واللغات، والفنون، بالإضافة إلى العموميات.
هذه الدورة تعرف مشاركة أكثر من 700 دار نشر من أفريقيا وأوروبا وآسيا والأمريكتين، ومن بين الدول المشاركة في المعرض هذا العام لبنان وسوريا والأردن والكويت والسعودية والإمارات وقطر وتونس والجزائر وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وهولندا وإندونيسيا والصين.
ويتم الحرص على أن يعكس الرصيد الوثائقي المعروض قيم الانفتاح والتسامح والتعايش التي تطبع المغرب، مع استبعاد كل إصدار يمس بثوابت المملكة أو يزدري الأديان أو يحرض على الكراهية والعنف أو العنصرية.
إن وزارة الثقافـة والشـباب والرياضـة-قطـاع الثقافـة-، وهـي تنظـم المعرض الدولـي للنشـر والكتـاب، تسـتحضر التراكـم الـذي تحقـق علـى مـدى أكثر مـن عقدين، وتنـوه بمـا يبذلـه شـركاؤها فـي دعـم جهـود الارتقاء بهـذه الاحتفالية الثقافيـة الكبـرى، التـي تعكــس مكانــة الثقافــة عمومــا، والكتــاب خصوصــا، ودورهمــا فــي تعزيــز المجهود التنمــوي العــام.