توحيد صفوف اليسار، والاندماج، أو حتى موقع هذه الأحزاب ضمن خارطة المشهد الحزبي والانتخابي، كلها توصيفات ترافق الحديث عن واقع أحزاب اليسار ورهاناتها باختلاف مواقفها ومواقعها داخل المشهد السياسي.
ويتجدد هذا النقاش خاصة في سياق انتخابي يعرف تنافسا محتدما وتقاطبات بين مختلف مكونات المشهد الحزبي لضمان تمثيلية مريحة داخل مجلس النواب والمؤسسات المنتخبة في الاستحقاقات المقبلة.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار نتائج انتخابات أحزاب اليسار خلال الانتخابات التشريعية السابقة سواء الأحزاب اليسارية التقليدية (حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية)، أو ” الأحزاب اليسارية الصغرى ” إن جاز التعبير، الممثلة في مكونات فدرالية اليسار الديمقراطي (أحزاب الاشتراكي الموحد والطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي)، يبدو أن تراجعها الانتخابي الملحوظ هو القاسم المشترك بينها وإن تفاوتت النتائج المحققة من طرفها من حزب إلى آخر.
ولتحسين تمثيليتها السياسية داخل المجالس المنتخبة ومجلس النواب، تعمل أحزاب اليسار على قدم وساق لتجد لها موطئ قدم ضمن الخريطة السياسية سواء في إطار تحالفات أو تنسيق حول البرامج أو عبر المذكرات الحزبية المشتركة.
وإذا كانت الأحزاب اليسارية التقليدية قد كثفت من عمليات التقاطب والتنسيق مع أحزاب أخرى من خارج أسرة اليسار أو فيما بينها، بغية تقوية موقعها على الساحة السياسية، فإن حلم تجميع أحزاب اليسار وتحقيق مشروع الاندماج بين مكونات فيدرالية السيار الديمقراطي تأجل مرة أخرى بعد انسحاب الحزب الاشتراكي الموحد من فيدرالية اليسار الديمقراطي حسب ما أفادت به الهيئات التقريرية للأحزاب الثلاثة.
ويطرح تراجع نتائج الأحزاب اليسارية من جهة، وتعثر مشروع توحيد مكونات اليسار المغربي في إطار حزب واحد من جهة ثانية، بسبب خلافات تنظيمية داخلية، أكثر من تساؤل حول مدى قدرة هذه الأحزاب على استرجاع كثلتها الناخبة في ظل “حالة الشتات” التي تعيشها، وكذا حول حجم حضورها داخل المشهد السياسي والانتخابي، ورهاناتها في استحقاقات 2021، سيما بعد التعديلات التي طالت المنظومة القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية، وخاصة الطريقة الجديدة لاحتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية.
وفي هذا الصدد، قال رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، شقران أمام، إن الرهان الاساسي لهذه الأحزاب هو جعل هذه المحطة مناسبة لتفاعل مجتمعي جيد مع اليسار بقيمه ومشروعه ورؤيته لمداخل التغيير. وتابع قائلا ” أي نعم، وبكل وضوح وأسف، يصعب الحديث عن برنامج يساري واحد يساهم في خلخلة الوضع المتسم بكثير من الشعبوية والمواقف المؤسسة على العاطفة أو المحكومة بمنطق المال وغيرها، لكن يبقى المشترك بين أحزاب اليسار محفزا على قراءة مستقبلية تتجاوز تشتت الحاضر، لأسباب تهم أشخاصا وليس بالضرورة التنظيمات نفسها “.
فالرهان إذن، وفق شقران، “يتمثل في تقوية حضور اليسار في المؤسسات للمساهمة في نهضة الوطن وتقدمه بنفس حداثي ديمقراطي بلادنا في حاجة إليه اليوم “. وعن موقع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ضمن خريطة الأحزاب اليسارية، اعتبر الفاعل السياسي أن موقع الحزب “يحدده الواقع نفسه، ويحدده الماضي والحاضر و لا شك المستقبل”، معتبرا أن “الحزب يعد القاطرة إذا صح التعبير والجزء، بصرف النظر عن النسبة، من الكل المتمثل في اليسار بكافة مكوناته”.
وتابع أن “واقع الممارسة لا يسعف في الحديث عن التحالفات الممكنة اليوم، وإن كان الأقرب بطبيعة الحال هم أصحاب نفس القيم والمشروع، أي أحزاب اليسار والأحزاب الوطنية الديمقراطية وكل من يشترك معنا في رؤية مغرب الغد ومداخل التغيير و الاصلاح “.
ورأى شقران أنه ليس هناك مناضلا أو مناضلة لا يحلمان بالحزب الاشتراكي الكبير، وبضرورة تجاوز معيقات وحدة اليسار، مستطردا ” لكن الأمر منوط بكثير من التنازلات والابتعاد عن الأنا ووهم امتلاك الحقيقة والأحكام الجاهزة”. واعتبر أن قيم التواضع والقبول بالرأي الآخر التي تميز المناضل اليساري وحدها كفيلة بخلق شروط حوار هادئ يسعف في تجاوز شوائب الحاضر ، خاصة وأن الاختلاف يظل شخصيا لدى الكثيرين.
ولفت، في هذا السياق، إلى أن “الحلم لا يجب أن يظل حبيس مزاجية بعض قادة الأحزاب، لذلك وجب التأسيس لمسلسل من اللقاءات على المستوى الوطني والمحلي لخلخلة الوضع وفتح المجال أمام فعل يساري ينهي مع الفراغ القاتل الذي تتسبب فيه السجالات الفارغة وسوء الفهم الموروث أحيانا بمنطق أصولي صرف”. وأردف قائلا “حلم الحزب الاشتراكي الكبير هو في العمق حلم من أجل الوطن، لذلك وجب أن يكون في حد ذاته برنامجا نضاليا بكثير من الصبر والتضحيات و التنازلات”.
من جانبه، قال الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، أحد مكوني فيدرالية اليسار، عبد السلام العزيز، في تصريح مماثل، إن الفدرالية لم تتمكن من الوصول لمحطة الاندماج قبل الانتخابات، وهو ما كانت تطمح إليه العائلة اليسارية ومن ضمنها أغلب مناضلي وأطر الأحزاب المشكلة لفيدرالية اليسار الديمقراطي، خاصة بعد انسحاب الحزب الاشتراكي الموحد. وعزا تأجيل خطوة الاندماج إلى اعتبارات موضوعية راجعة لواقع الجائحة، وأخرى ذاتية بفعل تردد البعض تأجيل هذا المشروع إلى ما بعد الانتخابات.
وأكد أن حزبي الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي سيخوضان انتخابات شتنبر المقبل، في إطار تحالف حزبي” تحالف فيدرالية اليسار” طبقا لما ينص عليه قانون الأحزاب لسنة 2021 ،مع تعديلاته التي تسمح بالتقدم بلوائح مشتركة من الحزبين المشكلين للتحالف. وأبرز أن الحزبين المشكلين لتحالف فيدرالية اليسار اختارا تدبير هذه الانتخابات بشكل ديمقراطي وتشاركي وغير ممركز؛ حيث تم تكليف لجان تنسيق محلية، إقليمية وجهوية للفدرالية، بتدبير هذه الاستحقاقات الانتخابية سواء على مستوى اختيار المرشحين، أو ترتيب اللوائح بما فيها اختيار وكلاء هذه الأخيرة.
وتابع أنه تم تشكيل لجان موضوعاتية حول البرنامج المحلي، واللوجستيك، والإعلام و التواصل، مفيدا بأن أشغال هذه اللجان تعرف تقدما ملموسا في العديد من الهيآت نظرا للجدية وحس المسؤولية النضالية التي تؤطر اشغالها ؛ ولهذا تم التوافق حول اللوائح وترتيبها في العديد منها. و بطبيعة الحال تعترض الأشغال احيانا بعض المشاكل التي قد تطرح في بعض الدوائر الانتخابية.
وقال العزيز إن اختيار الحزبين إعطاء كل هذه الصلاحيات لتنظيماتها المحلية يشكل نقلة نوعية في طريقة تدبير هذه الاستحقاقات، ويؤكد إرادة إشراك المناضلين بشكل مباشر في كل محطات التحضير. وأورد المسؤول الحزبي أنه بعد انسحاب مكون من المكونات المشكلة لفدرالية اليسار الديمقراطي، أصبح الطريق معبدا نحو المؤتمر الاندماجي بحيث تم الاتفاق على اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاندماجي والمكونة من حزبي المؤتمر الاتحادي والطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمكونات اليسارية والنشطاء اليساريين في مختلف الحقول.
وعن مدى تأثير تعثر مشروع الاندماج بين مكونات فيدرالية اليسار على نتائج الانتخابات المقبلة، توقع الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني تحسن الفيدرالية موقعها الانتخابي برغم ما تعرفه الفدرالية من مشاكل، وذلك بالنظر للمجهودات التي تقوم به تنظيمات المحلية في مختلف الجهات والعمل الجاد للجنة الانتخابات. كما توقع المتحدث أن يحقق تحالف فدرالية اليسار اختراقات في العديد من الدوائر الانتخابية؛ في الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية على السواء، وذلك بالنظر لما عرفته الانتخابات السابقة من تعاطف مجتمعي مع مشروع الفيدرالية ومرشحيها. وعموما، يبدو أن رهان عودة الیسار إلى الواجهة بعد تراجعه في انتخابات 2016، يظل رهين بتوحید مكوناتها وتحسين نتائجها، وبالتالي تعزيز خريطة تموقعها في سلم تراتبية الأحزاب السياسية على مستوى التمثيل داخل البرلمان، وعلى وجه التحديد داخل مجلس النواب. كما يرتبط أيضا بمدى قدرة هذه الأحزاب على اقتراح برامج وأفكار من شأنها تقديم الحلول الناجعة للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها جائحة كوفيد 19 في سياق انتخابي يشهد تنافسا محتدما حول البرامج و” صعوبة كبيرة في إقناع الناخب واسترجاع ثقته”.