*مولود الزياني
شكلت الانتخابات المهنية الأخيرة، الإشارة الأولى ضمن الفرص الضائعة والمناسبات المهدرة على بلاد “الكيف”، بحيث أفرزت نتائجها استمرار النخب السياسية الكلاسيكية المحصنة بالأعيان وتجار المخدرات، الذين يستأثرون كعادتهم بـ”الشنقة” السياسيين، ومنهم فقراء المنطقة المنفضون حولهم.
قبل مناقشة نتائج الغرف المهنية الأخيرة، سنقف كمرحلة أولى، على قناعات الأحزاب داخل مزرعة الكيف، من حيث شروط منح التزكيات للمرشحين وكيفية اختيار بروفيلات الأشخاص الذين سيمثلون مهنيي الفلاحة بالغرف الإقليمية والجهوية.
فقد تابعت بتطلع شديد هذه الاستحقاقات على خلاف سابقتها، خاصة الفلاحية، على اعتبار أن المنطقة مقبلة على مستجدات مرتبطة بتقنين زراعة غالبية سكانها، فلم تبين أي مؤسسة حزبية إدراكها للمرحلة، لا في البرامج ولا حتى في الترشيحات التي منحتها بعضها لبارونات الاتجار في المخدرات، على خلاف الفلاحين أصحاب الأرض والمعول، ناهيك عن غياب شرط المرحلة المتعلق بالمستوى التعلمي، كأقل تقدير للمساهمة في تنزيل مشروع التقنين والترافع على آهات الفلاحين الفقراء التي باتت تسمع هنا وهناك.
إن استمرار ارتماء بعض الأحزاب بين أحضان الأعيان (البزنزا) لم يأتي من فراغ، بل هو إرث ورثته عن نجاحات سابقة، لعب فيها هؤلاء دورا رئيسيا، لإتقانهم ميكانيزمات اللعبة السياسية الخسيسة التي لا تزيد عن التهديد وإطلاق فقاقيع صابونية لقضاء مصالح الناس، والأكثر من ذلك، يذهب البعض إلى وعد مزارعي “الكيف” عن طريق شبكة “الشنقة” بشراء محصولهم. وبهذا، يصدق المغلوب على أمر تجارته المكدسة عن سنوات القحط التجاري التي تضرب المنطقة بين الفينة والأخرى.
وباعتبار أن الاستلاء هو غاية جميع الأحزاب ببلاد “الكيف”، تجدهم يختلفون في أساليب الإقناع باختلاف متطلبات الكائن الأبدي (الأعيان) المتحكم في نظام التمثيلية بمنطق “جون واتربوري” في سبعينيات القرن الماضي. ومهما كانت الظروف أو الضغوطات… فإن الفلاحين سيصوتون لصالحه”. وحتى سكان دائرته بادعاء نفس الشبكة السابقة الذين يدورون في فلكه يروجون بأن لا أحد غيره يستحق تمثيلهم بشكل مقبول. لأنه يعرف الخبايا السياسية ولازال بوسعه تقديم القروض وحلحلة المشاكل، والأكثر من ذلك، مازال مرتبطا بالسلطة بمنطق “ريمي لوفو” في ستينيات من نفس القرن.
وانسجاما ومنهجية هذه الورقة، كان لزاما مناقشة نتائج الانتخابات المهنية بإسهاب، لكن فقط سنقول: إنها كانت صحيحة شكليا ومغلوطة علميا وعمليا، وحتى لا نسلم بالأسس، رافضين مبادئ المرحلة القادمة في تعارض مع قاعدة الأغلبية المفقرة والكارهة للوضع السياسوي، ولسان حالها يقول: ما هو صحيح نظريا يجب أن يكون كذلك صحيحا تطبيقيا، وإذا كانت الدولة تتغنى بالمشاريع الاستراتيجية الجديد لخلق الثروة وتوزيع ثمارها، يجب على الفاعلين الذين سيدخلون المؤسسات المنتخبة أن تتوفر فيهم شروط مستوى هذه الثروة ومعايير توزيع ثمارها.
لكن وعلى ما يبدو، من نتائج الانتخابات السابقة وحتى من البروفيلات المتقدمة للاستحقاقات الجماعية والتشريعية المقبلة، يتبن أنهم سيشكلون ثلة من القواد الفاشلين وغير القادرين على المساهمة واستشعار الفرص المستجدة.
وبهذا، تكون الانتخابات المهنية وكواليسها أبانت على أن مشاريع بعض الأحزاب المنافسة ببلاد الكيف، لا تصلح لفتراتها المقبلة ولا تخدم المستقبل الاستشرافي لشبابها وأطرها، المتطلعين لمستجدات النموذج التنموي الجديد ومشروع تقنين زراعة القنب الهندي الذي نشر مؤخرا بالجريدة الرسمية، وكذا المشاريع القطاعية الأخرى التي تهم المقاولين الشباب بالمنطقة والطبقة العاملة المتوسطة التي تشكل قاعدتها.
الكل تابع خطوات مشروع التقنين التاريخية التي على إثرها انتقلت بلاد الكيف من وضعها اللاقانوني السابق إلى القانوني الجديد، وكيف تجند شبابها وأطرها على اختلاف منطلقاتهم ومرجعياتهم في الدفاع والترافع. أليس من العيب أن يمنح هؤلاء الشباب والطاقات المناضلة فرصة أخرى لأعيان المنطقة أن ترهن مستقبلهم والأجيال الصاعدة من بعدهم بمشاريع حزبية وهمية. كما أن التاريخ نفس الذي منح المنطقة فرصة الخروج من عنق الزجاج، سيلعن حتما من سيغض بصره تجاه سارق مستقبل الآلاف من الفقراء المستعبدين داخل أراضيهم.