عكس التوجه المتقدم الذي تسير فيه العلاقات المغربية الإسرائيلية، وما كان منتظرا خلال الزيارة التي أجراها يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي، مرّت الزيارة، التي تنتهي اليوم (الخميس)، والافتتاح الرسمي لمكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط في ظروف عادية، غاب عنها حضور المسؤولين الكبار في الدولة المغربية، ما يحمل دلالات ورسائل مهمة.
الزيارة التي كانت مرتقبة منذ أسابيع، غاب عنها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، رغم أنه كان من الفاعلين الرئيسيين في عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية بتوقيعه الإعلان الثلاثي. ورغم تصريحه بأن سبب غيابه يرجع إلى أن لقاءه مع لابيد غير مبرمج ضمن جدول أعماله، إلا أن تصريح رئيس الحكومة يخفي أسباب أخرى.
وبينما ربطت آراء بين غياب العثماني، وسعي حزب العدالة والتنمية إلى تحسين صورته بعد رجة “التطبيع”، ورغبته في استمالة أصوات الناخبين من أجل الظفر بالولاية الثالثة، تشير معطيات أخرى، إلى أن غيابه يتجاوز مالحزب إلى موقف الدولة.
وتُستحضر بهذا الشأن، زيارة وفد حماس من قبل، وكيف أن “البيجيدي” كان وسيطا من أجل بعث الدولة المغربية رسائل إقليمية تؤكد عبرها تشبثها بالقضية الفلسطينية رغم عودة العلاقات مع إسرائيل.
وفي الوقت الذي كان منتظرا أن يكون ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، على رأس الوفد المغربي الذي سيستقبل وزير الخارجية الإسرائيلي والوفد المصاحب له، اكتفى المغرب ببعث محسن الجزولي، الوزير المنتدب لدى وزير الخارجية، رغم أن المقام والبروتكول يقتضي حضور شخصية مغربية من نفس منصب الوزير الإسرائيلي.
وظهر بعدها لابيد في مقر وزارة الشؤون الخارجية المغربية، والتقاه بوريطة، إلا أن ذلك اكتسى طابع “المجاملة” الدبلوماسية، إذ اكتفا الوزيران خلالها بتوقيع الاتفاقيات وتقديم تصريحات رسمية تحتفي بالعلاقات الثنائية، ما يستشف منه ضعف اهتمام بوريطة بالزيارة، وهو ما أكده تغيب بوريطة عن باقي الأنشطة الأخرى في الزيارة، وعلى رأسها لحظة افتتاح مكتب الاتصال الإسرائيلي.
غياب العثماني والحضور “المجاملة” لبوريطة، يستنتج منه وفق مصادر دبلوماسية، أن المغرب لا يريد أن “يضع بيضه في سلة واحدة”، بمعنى أنه يسعى إلى الحفاظ على التوازنات الممكنة في علاقاته مع أطراف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ذلك يدفعه إلى أن يحوّل أقصى درجات الانسجام في العلاقة مع إسرائيل إلى احتجاج ضمني على عدائها تجاه الفلسطينيين، لاسيما أن المغرب انحاز بشكل رسمي إلى الجانب الفلسطيني خلال النزاع الأخير. والمقصود بهذه الرسالة، قد يكون هو السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة المسلحة.