كشف منع مصطفى بكوري، رئيس جهة الدار البيضاء سطات، ومدير الوكالة المغربية للطاقة المستدامة “مازن”، من السفر إلى خارج البلاد، اختلالات كبيرة في تسيير المؤسسة التي يوجد على رأسها، وتحظى بأهمية بالغة في السياسة الاستراتيجية للمغرب، ورُصدت لنجاحها ميزانيات ضخمة، غير أن الأهداف المنتظرة منها، ظلت بعيدة المنال بفعل التدبير غير الناجع للوكالة.
ورغم الحرص الملكي على تنزيل مشاريع الطاقة الخضراء في المغرب، إلا أن اختلالات تدبيرية عدة شهدتها مشاريع استراتيجية كبرى في مجال الطاقة، لاسيما مركب “نور” ورزازات، حالت دون ذلك، وكلف القصور في تنفيذ تلك المشاريع المغرب خسائر بملايين الدراهم، وفق تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
ويخضع مصطفى الباكوري، باعتباره مديرا لوكالة “مازن”، لبحث قضائي، منذ يوم الاثنين 29 مارس، بعدما كان على وشك السفر إلى دبي، للمشاركة في معرض إكسبو دبي العالمي، ما خلف جدلا كبيرا بخصوص الأسباب الحقيقية لمنع أحد أبرز خريجي مدرسة القناطر الفرنسية، وواحد من أكبر المسؤولين المغاربة، الذي ما فتئ يحظى بمناصب عليا، طيلة الـ 20 سنة الأخيرة من مغادرة البلاد.
ويُرجع متتبعون الضربة الموجعة التي تلقاها مصطفى الباكوري، والتي جعلته يلزم بيته ويبتعد عن مقر الوكالة المغربية للطاقة المستدامة منذ مدة، إلى التقرير الذي أنجزه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي يرأسه أحمد رضا الشامي، الذي رسم صورة قاتمة عن تقدم الأشغال في المشاريع الكبرى التي تشرف عليها الوكالة.
التقرير الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (ESEC)، تحت عنوان “تسريع الانتقال الطاقي من أجل وضع المغرب على مسار النمو الأخضر”، كشف الإخفاقات الهائلة في حكامة الوكالة والخيارات التكنولوجية التي اتخذتها “مازن”، وهي اختيارات ستكلف محطات توليد الطاقة نور الأول والثاني والثالث عجز قدره 800 مليون درهم سنويا.
وبذلك، تفاعل الديوان الملكي بسرعة مع تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عقب اجتماع برئاسة الملك وصدرتتعليمات بفتح تحقيق، مُنبها في بلاغ له بتاريخ 22 أكتوبر الماضي، إلى “بعض التأخير الذي يعرفه هذا المشروع الواسع، ولفت الانتباه إلى ضرورة العمل على استكمال هذا الورش في الآجال المحددة، وفق أفضل الظروف، من خلال التحلي بالصرامة المطلوبة” بحسب الديوان الملكي.
تأخر مشاريع “مازن”
بالإضافة إلى الخيارات التكنولوجية والنموذج الاقتصادي الذي اتبعته الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، الذي تشوبه العديد من أوجه القصور، تصف مصادر استراتيجية انتقال الطاقة التي تقودها الوكالة بأنها متخلفة كثيرا. وأفادت معطيات بأنه في الوقت الذي كان متوقعا أن تصل حصة الطاقات المتجددة من إجمالي الطاقة في البلاد إلى 42٪ في عام 2020، فإنها لم تتجاوز بالكاد 30٪ في الوقت الحالي.
وفي السياق نفسه، فإن مشروع “نور ميدلت 1″، الذي كان من المقرر تسليمه في عام 2021، مازال في المرحلة الأولى من عملية التنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، فإن سوء الإدارة والفشل من حيث التنسيق بين مختلف خدمات الوكالة كان لهما عواقب وخيمة، لاسيما بين شركاء الوكالة.
وتشير المصادر إلى أنه من بين الأسباب التي زادت من تعقيد مهمة الباكوري على رأس الوكالة، رحيل ساعده الأيمن، عبيد عمران، رئيس صندوق إثمار الاستثماري، في عام 2019 عن الوكالة.
وفسرت مصادر سوء إدارة “مازن” وتأخيراته في تسليم المشاريع الإستراتيجية، بالأهمية الممنوحة للمشاريع العقارية في جهة الدار البيضاء سطات، التي يرأسها الباكوري منذ عام 2015، مرجحة أنه أعطى اهتمام أكبر لإدارة شؤون الجهة، ما نتج عنه تقصير في الالتزام بتحقيق أهداف الوكالة التي يرأسها، غير أن هذا المبرر لا يصمد طويلا، خصوصا مع تأثر حصيلته في رئاسة الجهة سلبا هي الأخرى، إذ يشهد برنامج التنمية الاستراتيجية الطموح للدار البيضاء للفترة 2015-2020 تأخرا أيضا.
مسار حافل بالتعثر
يبدو أن التأخر والاختلالات تلازم المشاريع التي يتدخل في إنجازها مصطفى الباكوري، ذلك أن البرنامج الذي أطلقه الملك محمد السادس في عام 2014 لتنمية مدينة الدار البيضاء، الذي كان من المتوقع الانتهاء منه السنة الجارية، وصل نسبة 55٪ فقط، رغم أن الميزانية التي رصدت له تجاوزت 33.6 مليار درهم.
وتعد جهة الدار البيضاء سطات والوكالة المغربية للطاقة المستدامة، اللتين يرأسهما مصطفى الباكوري، من أكثر المؤسسات العامة مديونية، وفق تقرير أنجزه المجلس الأعلى للحسابات عام 2016، وحذر من ارتفاع مديونيتهما.
ويؤكد متتبعون أن الاختلالات التي يتورط فيها الباكوري ليست الأولى من نوعها، بل سبق أن تم إعفاؤه من مهامه على رأس صندوق الإيداع والتدبير الذي ترأسه منذ سنة 2001، كما أنه كان مثار جدل واسع بعد تقديمه دعما سنويا لفائدة “جمعية أوركسترا الفلرمونية المغربية”، بمبلغ 500 مليون سنتيم، والتي كشفت وثيقة رسمية للجمعية أنه عضو في مكتبها.
بالإضافة إلى ماسبق، ذكر اسم الباكوري أيضا في قضية أخرى، تتعلق بتدخله في صفقة شراء أسهم من قبل شركة ألمانية في شركة إسبانية شريكة لوكالة “مازن”، ما نتج عنه عملية استحواذ تسببت في أزمة مالية كبيرة للشركة الإسبانية، وتشير المصادر إلى أن الموضوع مازال أيضا قيد البحث.
تشخيص أعطاب “مازن”
وضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ملاحظة مقلقة فيما يتعلق بالخيارات التكنولوجية للوكالة، والتي ستكلف عجزا سنويا يقدر بنحو 800 مليون درهم لمحطات توليد الكهرباء نور 1 و2 و3.
ويرجع هذا العجز إلى الفجوة الكبيرة بين أسعار الشراء بمؤشـر أسعار المنتجين من جهة وبين أسعار البيع في المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب من جهة أخرى، ويسلط التحليل المقارن الضوء على سعر التكلفة لكل كيلوواط ساعة وهو كالتالي: 1.62 درهم لنور 1، و1.38 درهم لنور 2، و1.42 درهم لنور 3، في حين يباع الكيلو وات ساعة إلى ONEE بسعر 0.85 درهم “.
وحذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي من الاختلالات في التوازن المالي داخل مؤسسة “مازن”، داعيا الدولة إلـى “ضرورة القيـام بتدابير التحكيـم اللازمة مـن أجـل تجنـب تداعيات هـذه الاختلالات علـى مالية الدولة والتأخر المسجل فـي تحول قطاع الطاقـة المغربي وفقدان جاذبيته بالنسبة للمستثمرين الخواص”.
ولفت المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى إن عقود البرامج التي كان مقررا إبرامها مـع القطاعات الحكوميـة المعنية لـم يتـم توقيعها بعـد، رغم مـرور ثلاث سـنوات علـى انطلاق الاستراتيجية الطاقية الوطنية، مشيرا إلى أن نطاق مشـاريع الطاقـة الشمسـية التـي تفـوق 2 ميغـاواط، يشهـد “نوعا مـن التعثـر، فـي غياب المرسوم الذي يحدد المواقـع المخصصة لاستقبال محطات إنتاج الطاقة الكهربائية انطلاقا من مصادر الطاقة الشمسية”.
ويرتبط تطوير هذه المشاريع بتحديـد وتأهيل المواقع التي يمكن أن تحتضن محطات الطاقـة الشمسـية التي يجب أن تدرسها وكالة “مازن”، وفقا للقانون 37.16 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 57.09 المحدثة بموجبه الشركة المسماة “الوكالة المغربية للطاقة الشمسية”.
وأفاد المجلس أنه بالرغم مـن تطـور سـياق قطـاع الطاقـة الوطنيـة علـى مـدى السنوات العشر الماضية، إلا أن تحديـد نطـاق أنشطـة بعـض الهيئات ما يـزال غيـر واضـح المعالـم، “ممـا يـؤدي إلـى مخاطـر تداخل الاختصاصات، كمـا هـو الشأن بالنسبة للوكالة المغربيـة للنجاعة الطاقية وشركة الاستثمارات الطاقية”.
ولاحظ المجلس أن المشاريع الطاقية الكبرى لم تنعكس على حياة المواطن المغربي، مشيرا إلى أنه منذ سنة 2009 لم تشهد أسـعار الكهربـاء أي انخفـاض، بـل علـى العكـس، تـم القيـام بمراجعـة للأسعار أدت إلـى زيـادة يتـم تطبيقهـا علـى 4 سـنوات، وذلـك بموجب عقد برنامـج بيـن الدولـة والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب لسنوات 2014-2017. كما أن “سياسـة النجاعـة الطاقيـة، التـي كان مـن المفـروض أن تقلـص مـن تكاليـف الطاقـة، لـم يكـن لهـا الأثر المتوقـع علـى القدرة الشرائية للمواطنين”.
تأخرات في أداء
إضافة إلى الاختلالات الكبيرة التي سجلت في عمل الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، اشتكت العديد من الشركات المغربية الموردة لـ “مازن” من شروط السداد الطويلة للغاية، ما أدى إلى مشاكل في التدفق النقدي عند هذه الشركات، في الوقت الذي تصبو فيه الرؤية الملكية، من خلال هذه الوكالة، إلى إنشاء نظام بيئي للشركات المغربية المتخصصة في الطاقات المتجددة، بهدف تحقيق معدل أفضل من التكامل الصناعي.