في الوقت الذي تجمعهما علاقة دبلوماسية متوترة بالمغرب، شهدت تصاعدا في الآونة الأخيرة، ومقابل حفاظ الرباط على الوجوه نفسها، عمد جيران المغرب الشمالي والشرقي، إلى تغيير لاعبيهما على المستوى الدبلوماسي، ما يحمل العديد من الرسائل، ويترجم طبيعة الأهداف التي تراهن عليها كلا من دولتي الجزائر وإسبانيا، عبر تغيير وزيرهما في الخارجية في فترة متزامنة.
فبينما أزاحت إسبانيا وزيرة خارجيتها، التي تميز سلوكها بالعدائية تجاه المغرب بوزير آخر أكثر هدوء ودبلوماسية، بغاية إعادة العلاقات إلى نصابها مع الجار الجنوبي وإنهاء الأزمة، لجأ بالمقابل نظام الجزائر إلى التوسل بوجه قديم، من عهد بوتفليقة، على رأس الخارجية الجزائرية، ما يعكس أن سياستها الخارجية، خاصة تجاه المغرب، لن تتغير في الأفق المنظور.
فشل دبلوماسي
طيلة الفترة الماضية شهدت علاقة المغرب بكلا من الجارين المذكورين كثيرا من التوتر، منذ قرار المغرب تأمين معبر الكركرات وإنهاء تحرش عناصر البوليساريو به، وما أعقبه من قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، ذلك أن ردود فعل الجارين الرافضة للوضع الجديد أدخلتهما في صراعات خاسرة مع الرباط.
وأمام عدم وصول كلا من الجزائر وإسبانيا إلى أهدافهما الخارجية، في علاقتهما مع المغرب، خاصة إقناع إدارة بايدن بالتراجع عن قرار سلفه ترامب واستصدار قرارات ضد المغرب، ومع استحضار الوضع الصعب الذي وُجدا به بعد فضح المغرب لاستقبال إسبانيا زعيم البوليساريو بطلب من الجزائر، وما ترتب عن هذا الوضع، سار لزاما على جاري المغرب تغيير وزرائهما في الخارجية، في محاولة إلى تجاوز الفشل الدبلوماسي الذي أوقعتهما فيه خياراتهما الدبلوماسية.
رغبة في التهدئة
كما كان متوقعا، أجرى بيدور سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، تعديلا واسعا على الحكومة، كان من أبرز مستجداته الإطاحة بأرانشا غونزاليس لايا، وزيرة الخارجية الإسبانية، التي كانت مسؤولة عن قرار إدخال إبراهيم الغالي للعلاج، وتعيين خوسي مانويل ألباريس، السفير الإسباني الحالي لدى فرنسا والأمين العام السابق للشؤون الخارجية في فريق الرئاسة مكانها.
ولفت مراقبون إلى أن القرار لديه علاقة بالأزمة الجارية بين المغرب وإسبانيا، خاصة مع الضغط الكبير الذي مارسه المغرب دبلوماسيا واقتصاديا، مما حذا بإسبانيا إلى التهدئة من خطابها تجاه المغرب، ومحاولة إعادة بناء العلاقة مع أحد أهم شركائها، ولعل خطوة تعيين الوزير الجديد أبرز إشارة إلى هذا التوجه، وذلك ما تبين في حرص وده الخارجية الإسبانية الجديد على بعث رسائل ودية إلى المغرب منذ أول ظهور له.
وعمد خوسيه مانويل، إلى طلب ود المغرب واصفا إياه ب”الجار والصديق الكبير”، خلال حفل تسلم السلطة من سلفه أرانشا غونزاليس لايا، وذلك في محاولة لإذابة الجليد بين البلدين، مؤكدا على أن رغبة إسبانيا هي طي ملف الخلاف الدبلوماسي المستمر منذ أشهر مع المغرب، وأن إعادة “العلاقات الكاملة المبنية على الاحترام والمسؤولية المشتركة” مع الرباط من بين المهام الملقاة على عاتقه.
الاستعانة ببوتفليقة
بالمقابل توسلت الجارة الجزائر بوجهها القديم بالخارجية، بعدما أطاح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بصبري بوقادوم، وعوضه برمطان العمامرة، الذي يعد من وجوه النظام الجزائري القديمة، إذ سبق له أن تولى منصب الخارجية مرتين خلال حكومات الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، لتصبح هذه المرة هي الثالثة من نوعها.
العمامرة الذي واجه انتقادات كثيرة باعتباره أحد وجوه النظام القديمة، والذي لم تشهد العلاقة مع المغرب في عهده أي تطورات إيجابية، عاد للظهور من جديد، مما يختزل عزم الجزائر على مواصلة نفس سياستها الخارجية، القائمة أساسا على تغذية النزاع بالأقاليم الجنوبية المغربية، ومعادة الوحدة الترابية المغربية عبر احتضان جبهة البوليساريو بالمال والسلاح.
وبالرغم من حديث وسائل الإعلام الجزائرية عن إمكانية حلحلة الملف مع المغرب، بعد تعيين العمامرة على رأس الخارجية، إلا أن كثيرا من المؤشرات تدل على أن الوضع لن يشهد تغيرات، خاصة في ظل بعث النظام الجزائري برسائل سلبية في علاقته مع المغرب، ما يعبر على أنه لم يهضم بعد النصر الدبلوماسي المغربي في السنتين الأخيرتين.
وبين الوجهين الجديدين على مستوى كلا من الخارجية الإسبانية والجزائرية، يبدون المغرب راضيا عن أدائه على المستوى الخارجي، وذلك بالرغم من الانتقادات التي تقول بأن تعدد جبهات النزاع الدبلوماسي من شأنه إضعاف المملكة.