بعد أيام من وصول إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية، رفقة قيادات أخرى، في زيارة غير رسمية إلى المغرب، أكدت مؤشرات أن الأمر يتجاوز مجرد زيارة من ممثل الحركة إلى حزب العدالة والتنمية، قائد الأغلبية الحكومية، إلى مستوى احتضان مغربي رسمي على أعلى مستوى، الأمر الذي يحمل مجموعة من الرسائل السياسية.
وتأكدت الأبعاد السياسية المهمة لزيارة إسماعيل هنية إلى المغرب، من خلال برنامج هذه الزيارة الذي يتضمن عقد مجموعة من اللقاءات مع أحزاب سياسية متعددة، إضافة إلى لقاء مع الحبيب، رئيس مجلس النواب، وحكيم بنشماس، رئيس مجلس المستشارين، وكذا اللقاء مع ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية، وياسين المنصوري، مدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات.
ورغم تأكيد تحليلات على أن الزيارة تكتسي شكل دعاية انتخابية من حزب العدالة والتنمية، الذي يسعى إلى ترميم صورته بعد توقيع أمينه العام على اتفاق “التطبيع”، إلا أن برنامج الزيارة أعطى دليلا قويا على وجود اهتمام مغربي رسمي بها، وهذا ما أكده إسماعيل هنية الذي أوضح أن الزيارة “تأتي برعاية من جلالة الملك محمد السادس، وباحتضان من الشعب المغربي العزيز”.
ومما يفيد الأهمية الكبرى لهذه الزيارة هو الوقت الذي أخذه الترتيب لها، فالزيارة حسب سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية “لم تأت على عجل، إذ تم توجيه الدعوة إلى وفد حركة حماس منذ ستة أشهر لكنها لم تتيسر إلا اليوم”.
وتتزامن الزيارة مع الهدنة التي أعقبت العدوان الإسرائيلي على فلسطين، والتي تحدثت بعدها فصائل المقاومة الفلسطينية عن تحقيقها نصرا مهما، مما يؤكد المضامين المهمة للزيارة، خاصة وأن المغرب سبق أن عبّر عن موقفه المنحاز للشعب الفلسطيني خلال العدوان، الأمر الذي أراد المغرب أن يؤكد من خلاله ثبات موقفه من القضية الفلسطينية، بالرغم من عودة العلاقات مع إسرائيل.
وجاءت زيارة وفد حركة حماس بعد يوم واحد من توجيه الملك محمد السادس برقية تهنئة لرئيس الحكومة الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت، في إشارة مهمة إلى سعي المغرب إلى ضمان التوازن في مواقفه الخارجية، خاصة وأنه سبق للديوان الملكي أن أكد أن عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية لن يكون على حساب الحق العادل للشعب الفلسطيني.
وتسعى المملكة المغربية من خلال هذه الخطوة إلى الاضطلاع بدور أهم في إقرار عملية السلام بالشرق الأوسط، وتحديدا ما يخص الملف الفلسطيني، خاصة في ظل سعي قوى معادية للمغرب إلى التحجيم من دوره السياسي في الملفات الخارجية.
وبينما ربطت تحليلات ما بين زيارة وفد حركة حماس، التي أصبحت رقما مهما في المعادلة الفلسطينية، وملف الصحراء المغربية، خاصة بعد التباس موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الاعتراف بالسيادة المغربية، أوضح سعد الدين العثماني أن “عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربية الصحراء لن يكون أبداً لا اليوم ولا في المستقبل على حساب نضال الشعب الفلسطيني ومن أجل حقوقه المشروعة”.
ويشكل تزامن زيارة الوفد الحمساوي إلى المغرب مع العديد من الصراعات التي يخوضها المغرب خارجيا، خاصة مع بعض القوى الأوروبية المعادية للوحدة الترابية المغربية، وعلى رأسها إسبانيا وألمانيا، دليلا قويا على وجود رؤية مغربية واضحة فيما يتعلق بإدارة الملفات الخارجية بعيدة عن الارتجالية، التي قد تستشف من تعدد الجبهات.
ويبعث اللقاء مع كلا من ياسين المنصوري وناصر بوريطة، اللذين يعدان من أبرز وجوه السياسة الخارجية المغربية، بالعديد من الرسائل المهمة، خاصة وأن مجموعة من البلدان الأوروبية تصنف حركة حماس كحركة إرهابية، وهو تأكيد مغربي على دعم المقاومة الفلسطينية، على عكس الاتهامات التي وجهت للمملكة بعد عودة العلاقات مع إسرائيل، خاصة من بعض القوى التي أرادت الاستثمار في الملف.