لم يخلق تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد، التي ترأسها شكيب بنموسى، التفاعل الذي كان منتظرا، رغم استغراق إعداده أكثر من سنة، ما اضطر رئيس اللجنة إلى استئناف عملية تقديم التقرير أمام مجلسي البرلمان، وأمام الأحزاب السياسية، وكذا أمام المؤثرين وغيرهم، بعد تقديمه أمام ملك البلاد، في سياق خلق النقاش اللازم حوله.
وبينما تفاعلت مختلف الهيئات الحزبية بالترحيب بهذا التقرير، إلا أن الكثير من هذه التفاعلات، صنفها البعض في باب “المجاملات”، ذلك أن الأحزاب السياسية لم تقدم تحليلا وتقييما واقعيا لهذا التقرير من زاوية ما يمكن تحقيقه من أهدافه ضمن برامج انتخابية واقعية، وذلك مع استحضار توجيهات اللجنة بأن تقريرها ليس حلا سحريا ولا برنامجا انتخابيا.
ووصف كثيرون تفاعل النواب والمستشارين مع التقرير الذي أعدته لجنة النموذج التنموي الجديد ب”البارد”، ذلك أنهم لم يناقشوا التقرير ولم يبدوا آرائهم حول ما ورد فيه من أفكار وتوصيات، بالرغم من قدوم شكيب بنموسى إلى البرلمان في جلسة مشتركة بين المجلسين، وتمديد رئيس الجلسة للوقت، إلا أنهم اختاروا عدم التفاعل.
وبمقابل هذا التفاعل الضعيف مع التقرير، رغم الجهد الذي تبدله اللجنة لتقديمه وشرح مضامينه، سجلت انتقادات خافتة للنموذج التنموي، أثيرت من طرف بعض الشخصيات السياسية بشكل معزول، أو من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الانتقادات التي لم تصل إلى مستوى الفهم والاستيعاب الدقيق لمضامينه، وتقديم نقد شامل يستحضر سلبيات وإيجابيات، ما قدمته لجنة بنموسى.
ومن بين التعليقات التي أثيرت حول التقرير، ما قاله نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي انتقد عدم وقوف اللجنة عن “إشكال الحكامة” الذي لم يتوفقوا فيه، حسب رأيه، مشيرا في الآن ذاته، إلى ضرورة العمل على تقوية البعد الديمقراطي والبعد الترابي في السياسات العمومية، لتكون للمنتخبين القوة الكافية، ويساهموا في تنفيذ الاستراتيجيات وبلورتها قبل تنفيذها.
وبينما تحدث بركة عن توفر النموذج التنموي الجديد على مضامين تقوي الأحزاب وتتحدث عن ديمقراطية أوسع، انتقد رشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، تقرير بنموسى معبرا عن انزعاجه من تركيزه على عبارات قالها أحد المشاركين في المشاورات، مؤداها “لا شيء ينتظر من القادة السياسيين”.
وتساءل الطالبي العالمي ما إذا كان ذلك يعني أن السياسي لا يستحق أن يكون رئيس حكومة، مشيرا إلى أن هناك صراعا قديما بين التقنوقراطين والسياسيين، متسائلا على أرض الواقع كم من المناصب التي يتقلدها السياسيون، لافتا إلى أن المحاسبة تعني السياسيين فقط.
وفي السياق نفسه، انتقدت حركة “معا” التشخيص المقدم من طرف لجنة النموذج التنموي الجديد، معتبرة أنه استمرار لنفس التشخيصات التي سبقت الإشارة إليها في التقارير السابقة الصادرة عن الكثير من الهيئات الرسمية وغير الرسمية، معتبرة أن خلاصاتها جاءت دون المتوقع، وأن المغرب والمغاربة يستحقون أكثر مما قدمه التقرير الختامي.
واعتبرت الحركة أن تقرير اللجنة أغفل الديمقراطية واستقلال القضاء، والحريات؛ خاصة حرية التعبير، وأسقطها من الأسس المحورية للنموذج التنموي إسوة بالتعليم والصحة، مؤكدة أنها أخلفت موعدها التاريخي أمام المغاربة، ولم تظهر الشجاعة الكافية ومارست على نفسها رقابة ذاتية رغم توفرها على كل ضمانات حرية التصرف لإنجاز أشغالها.
وتقاطع معلقون كثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي في فكرة أن تقرير بنموسى، رغم تشخيصه المتقدم، لم يرفع الحقيقة كاملة، كما أمر ملك البلاد، إضافة إلى أنه وضع أفقا زمنيا بعيدا نسبيا، حُدد في 2035، ما يعني حاجة هذا النموذج لثلاث حكومات، مع ما قد تحمله التجارب الحكومية من رؤى سياسية وبرامج متباينة.
كما أن نشطاء وقفوا عند إشكاليات غياب آليات التفعيل وربط المسؤولية بالمحاسبة في التقرير، مشيرين إلى أن مدخل إعادة الثقة للمواطنين يمر عبر إرساء آليات محاربة الريع والفساد والرشوة، وتقوية آليات الحكامة في البلاد.
ويشار إلى أن البعض ذهب إلى أن التفاعل مع التقرير سيأخذ بعض الوقت، والأهم هو أن يستمر النقاش العمومي حول مضامينه، وتقديم الشروحات الكافية لمضامينه، حتى يتوحد المغاربة على رؤية جماعية في مواجهة التحديات المحدقة بهم.