فتحت الهجرة الجماعية التي شهدتها مدينة سبتة المحتلة باب أزمة سياسية وديبلوماسية بين الرباط ومدريد، بعدما تم استنتاج أن تدفق الآلاف من المهاجرين على المدينة كان بإيعاز من المغرب، الذي لم يحرك سلطاته لإيقاف الراغبين في العبور، بغاية الضغط على إسبانيا التي تتبنى مواقف مناوئة للوحدة الترابية المغربية، آخرها استضافة زعيم جبهة “البوليساريو” بهوية وجواز سفر مزورين.
وبالرغم من أن خارجية المغرب لم تعلن بشكل رسمي أن أزمة الهجرة الجماعية ناتجة عن سلوك مقصود من الدولة المغربية، كرد فعل طبيعي على المواقف الإسبانية، إلا أن تصريحات صادرة عن مسؤولين مغاربة جعلت هذه القراءة هي المتداولة داخل وسائل الإعلام الدولية والمحلية، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التصريحات مجرد أخطاء ديبلوماسية أم أنها مواقف رسمية للمملكة المغربية.
أول هذه التصريحات صادر عن كريمة بنيعيش، السفيرة المغربية بإسبانيا، التي علقت على أحداث الهجرة الجماعية قائلة إنه “في العلاقات بين الدول هناك أفعال تترتب عليها عواقب ولا بد من توقعها”، في إشارة منها إلى قرار إسبانيا تقديم الرعاية الطبية لزعيم جبهة البوليساريو، مضيفة أن هناك “مواقف لا يمكن قبولها”، وأن العلاقات بين دول الجوار والأصدقاء يجب أن “تقوم على أساس الثقة المتبادلة التي يجب العمل عليها ورعايتها”.
كثير من الآراء انتقدت تلميح السفيرة المغربية إلى أن أحداث الهجرة مقصودة من طرف المغرب ردا على المواقف الإسبانية، معتبرة ذلك خطأ ديبلوماسيا، زاد من تعقيد الأوضاع بين المغرب وإسبانيا، خاصة الهجرة بطريقة غير مشروعة أو التشجيع عليها يعد أمرا غير مقبولا في العلاقات بين الدول، مما نتج عنه استدعاء السفيرة من طرف إسبانيا لطلب توضيحات، ليقوم المغرب هو الآخر باستدعائها للتشاور.
أما ثان هذه التصريحات فصدر عن مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، الذي لمح بدوره إلى أن الهجرة الجماعية رد فعل مغربي، إذ تساءل “ماذا كانت تنتظر اسبانيا من المغرب، وهو يرى أن جارته تأوي مسؤولا عن جماعة تحمل السلاح ضد المملكة؟”.
وبعد مجموعة من التساؤلات الأخرى حول الموقف الاسباني، أوضح الرميد أنه مادامت إسبانيا لم تقدر حسن الجوار وفضلت علاقتها بالبوليساريو وحاضنتها الجزائر، “فقد كان من حق المغرب أن يمد رجله، لتعرف اسبانيا حجم معاناة المغرب من أجل حسن الجوار، وثمن ذلك، وتعرف أيضا أن ثمن الاستهانة بالمغرب غال جدا، فتراجع نفسها و سياساتها وعلاقاتها، وتحسب لجارها المغرب ما ينبغي أن يحسب له، وتحترم حقوقه عليها، كما يرعى حقوقها عليه”.
والواضح من خلال التصريحين أن هناك تبني شبه رسمي لأحداث من طرف المغرب، الأمر الذي يعد خطأ ديبلوماسيا، باعتبار أن المغرب منخرط وفاعل دولي في اتفاقيات حول الهجرة، خاصة وأن الأحداث عرفت تنقل آلاف الأشخاص، بما فيهم قاصرين، وأطفال صغار غير مصحوبين، بشكل أضر بصورة البلاد.
لكن صمت وزارة الشؤون الخارجية المغربية، واستدعائها للسفيرة المغربية من أجل التشاور، يعد قبولا رسميا بهذه التصريحات، ما لم يتم التراجع عنها في القادم من الأيام، خاصة وأن الأزمة الديبلوماسية مستمرة بعد دخول الاتحاد الأوروبي على خطها، الذي سقط هو الآخر في هفوة مؤازرته لإسبانيا، بالرغم من أن العلاقات الاقتصادية المتينة التي تربطه بالمغرب، وإدراكه للدور الكبير الذي يلعبه المغرب في مجال مكافحة الهجرة غير المشروعة.
وينتظر في غضون الأيام المقبلة أن تشهد الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد مزيدا من التطورات، خاصة وأن المغرب يتشبث بموقفه بعد الفضيحة التي تورطت فيها إسبانيا باستقبالها لزعيم “البوليساريو” بشكل سري لإخفائه عن القضاء الإسباني الذي يتابعه على أرضية جرائم خطيرة.