مقابل النقاش الحاد الذي خلقته أزمة الهجرة الجماعية التي شهدتها مدينة سبتة المحتلة في أوساط الطبقة السياسية الاسبانية، التي وصلت حد تبادل الاتهامات بين حكومة مدريد والمعارضة، بقي تفاعل الأحزاب السياسية المغربية محدودا إلى حدود اللحظة، إذ جنح أغلبها إلى الصمت، رغم ما قام به المغرب من استدعاء لسفيرته باسبانيا من أجل التشاور، والتطورات المقلقة التي تشهدها العلاقات المغربية الإسبانية.
وباستثناء البلاغ المشترك الصادر عن الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، الذي أدان استقبال اسبانيا لزعيم ميليشيات “البوليساريو”، الصادر قبل أزمة الهجرة الجماعية، مازالت الأحزاب المغربية، إلى حدود اللحظة، لم تتفاعل بشكل موحّد مع المستجدات الحالية.
فبينما خرج حزب التقدم والاشتراكية المعارض متطرقا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها ساكنة الفنيدق، والتي ساهمت في عبور النقط الحدودية، مطالبا بإيجاد حلول تنموية، تساءل حزب الاستقلال المعارض بدوره مع العثماني عن أسباب الهجرة الجماعية غير المسبوقة منتقدا صمت الحكومة، وفضل “البيجيدي”، قائد الأغلبية، عدم الحديث عن الهجرة الجماعية مكتفيا بتحميل المسؤولية فيما جرى لاسبانيا.
وفي الوقت الذي كان يفترض أن تخلف أحداث الهجرة الجماعية آلاف الأشخاص، أغلبهم مغاربة، نقاشا سياسيا قويا بالمغرب، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، لم تسجل باقي الأحزاب السياسية المغربية موقفها مما يجري على حدود سبتة المحتلة، مكتفية بالمراقبة من بعيد.
وأورد المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية في بلاغ له، اليوم (الأربعاء)، أنه يتابع “بقلقٍ، عملية عبور النقط الحدودية نحو مدينة سبتة المحتلة، مُسجِّلاً ما تناقلته وسائل التواصل من صورٍ مُــؤسفةٍ تعكس الأوضاع الصعبة التي تعيشها ساكنة مدينة الفنيدق والجماعات المجاورة لها”، مجددا مطالبه بضرورة “معالجتها من خلال حلولٍ تنموية بديلة تضمن شروط العيش الكريم لكافة الأسر المعنية”.
واستحضر رفاق بنعبد الله “كَـــوْنَ هذه التطورات تجري في سياقٍ يتسم بما تشهدُهُ العلاقاتُ بين بلادنا وإسبانيا من تَــوَتُّــر، بسبب عدم احترامِ هذه الأخيرة المصالحَ العليا لبلادنا وعدم مُراعاتها لما يقتضيه التعاونُ البَــنّاءُ وحسن الجوار”، مجددا تأكيده على “ضرورة أن تخضع علاقات إسبانيا ببلادنا إلى الالتزام باحترام القضايا الوطنية الأساسية للبلدين، وإلى وُجوبِ عدم اختزال هذه العلاقات، بشكل انتقائي، في المجالات الاقتصادية والأمنية، وفي جُهود مكافحة الإرهاب والهجرة السرية والمخدرات والجريمة. وأيضاً إلى ضرورة عدم التنكر للتعاون، بالمقابل، عندما يتعلق بالثوابت الوطنية المغربية”.
أما حزب الاستقلال فقد تفاعل مع ما يجري عبر سؤال كتابي موجه لرئيس الحكومة، متسائلا عن أسباب الهجرة الجماعية غير المسبوقة لسبتة، منتقدا صمت الحكومة المطبق أمام التطورات المتسارعة، ومتسائلا كذلك عن التدابير المواكبة المستعجلة المتخذة لمعالجة هذه الوضعية الناتجة عن التدفق الكبير للمهاجرين، وتجاوز تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والإنسانية.
ولفت الاستقلال إلى تنامي الهجرة الجماعية لفئات اجتماعية عريضة من مختلف الأعمار، بما فيهم حوالي 1500 من الأطفال القاصرين، نحو مدينة سبتة المحتلة، عبر قوارب الموت أو سباحة أو مشيا على الأقدام، في ظروف حاطة للكرامة والقيم الإنسانية، معتبرا أن هذه الوضعية المأساوية تجسد الأزمة الاجتماعية التي يعيشها الشريط الساحلي بالمنطقة الشمالية.
وأكد حزب الاستقلال على أن مدينة الفنيدق أصبحت في وضعية اقتصادية واجتماعية متأزمة خطيرة، بعد قرار الحكومة إغلاق الحدود مع الجارة الإسبانية والقضاء على التهريب المعيشي، دون تقديم بديل اقتصادي يضمن للساكنة حقها الدستوري في مقومات العيش الكريم، سيما في ظل تداعيات جائحة كورونا.
واكتفي “البيجيدي” بتحميل اسبانيا مسؤولية ما جرى، دون الإشارة إلى الهجرة الجماعية التي قام بها آلاف المغاربة إلى مدينة سبتة المحتلة، مجددا رفضه لما اعتبره خطوة استفزازية ومسيئة من الجارة الإسبانية ضد الممكلة المغربية باستقبال إبراهيم غالي رئيس جبهة البوليساريو، مؤكدا أنها خرق سافر لعلاقات الشراكة وحسن الجوار بين البلدين.
وعبّر “البيجيدي” عن انزعاجه الشديد من تلكؤ السلطات الإسبانية في القيام بما يجب من المبادرات لتصحيح الخروقات المسجلة، مشيرا إلى أنه أن إسبانيا أن تستحضر جيدا الجهود المغربية المقدرة للوفاء بمقتضيات العلاقة بين البلدين، كما عليها أن تتحمل مسؤولياتها تجاه أي تداعيات أو تبعات يمكن أن تنتج عن الوضعية الناشئة.
وتجدر الإشارة إلى أن متتبعين كثر انتقدوا الرد المحتشم لبعض الأحزاب السياسية، وكذا صمت أغلبية الأحزاب الأخرى، رغم أن الوضع يعني آلاف المغاربة الذي يوجدون في مواجهة مفتوحة مع سلطات إسبانيا، على حدود سبتة المحتلة.