يعد تقطير الزهر عادة عريقة دأب عليها سكان مدينة تازة الذين لا يزالون يحافظون على هذا الموروث من خلال الاحتفال به مع حلول فصل الربيع من كل سنة، حيث تكتسي أشجار النارنج وشاحا أبيض بتفتح نبتة الزهر، فتفوح رائحتها بالمنازل والشوارع، إيذانا ببدء عملية الجني وانطلاق موسم التقطير.
تستعيد نعمة دقشي، من المحافظات على عادة تقطير الزهر بمدينة تازة، قصة هذه الممارسة التراثية مسحورة بعشقها لعملية تعيدها الى ذكريات أجدادها وآبائها.
تبدأ عملية تقطير الزهر، حسب نعمة، بوضوء المرأة والصلاة للتيمن والبركة، ودعوة الزوجة لزوجها لحضور بداية العملية. ترفق ذلك بجملة من الاجراءات وطقوس تدبير خاصة تهم طهارة المكان، مع إقدام أهل البيت على اطلاق البخور مما يعتقد أنه مطهر وحافظ لقدسية ونجاح هذه العملية.
ومما تم التعارف عليه، أن تشترك في عملية التقطير سيدتان ترتديان زيا تقليديا نظيفا. وتشمل الترتيبات الأولية قراءة الفاتحة ثم الصلاة على النبي وذكر الله والدعاء، واسدال ستار حاجب لعملية التقطير برغبة رمزية في حمايتها.
يجري الفعل باستخدام آلة القطارة، التي ترتكز على وحدة تحويلية، تتركب من الأواني النحاسية، ومصنع تقطير الزهر الذي يشمل “البرمة” حيث يسكب الماء وتوضع حبات الرنج ونبتة الزهر، يعلوها الكسكاس الذي توضع فيه حبات الزهر، ثم الرأس حيث يتم سكب الماء البارد فيصعد البخار إلى القبة، وينساب روح الزهر عبر أنبوب لينسكب قطرات صافية تتجمع في زجاجات الحفظ.
وترافق هذه الممارسة الطقوسية احتفالية خاصة يميزها الإنشاد والزغاريد وترديد الأمداح النبوية.
ويقول حميد السليماني، رئيس الجمعية التازية للمديح والسماع، إن الأمر يتعلق بعملية تقطير شاقة وطويلة تشرف عليها الأمهات والجدات في مختلف بيوت تازة موضحا أن الزهر مادة مطلوبة بكثرة وتستعمل كمعطر في جميع المناسبات كالأعياد والأفراح والمناسبات الدينية والأسرية إلى جانب استعمالها في الطبخ المغربي وخصوصا في تحضير بعض الحلويات المعروفة.
ومنذ سنة 2015، أصبح تقطير الزهر مناسبة سنوية للاحتفاء بهذه الظاهرة التراثية التي تقاوم الزوال عبر تنظيم موسم تقطير الزهر والذي يندرج في إطار المساهمة في التنشيط السوسيو-ثقافي بمدينة تازة بهدف تثمين وتجويد الرأسمال اللامادي لساكنتها.
وتستعد مدينة تازة لاحتضان الدورة الخامسة من موسم تقطير الزهر، شهر ماي القادم، وهي الدورة التي ستحاول الربط بين الثقافة التازية من خلال عادات وتقاليد تقطير الزهر والثقافة الحسانية، إذ سيمزج فيها الشاي الصحراوي بالزهر التازي، مع استقبال مادحين من أقاليم الصحراء.