فسحة رمضان.. المغاربة في أعين الاسبان
ظلت صورة المغربي أو المسلم في الذاكرة الاسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492. وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات بحسب الظروف السياسية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية.
في سلسلة حلقات “المغاربة في أعين الاسبان” التي يعدّها ويترجمها الدكتور إدريس الكنبوري.. تعرض صحيفة “أمَزان24” أهم الصور التي ظهر فيها المغربي في المتخيل الاسباني من عام 1492، تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة، آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس، وعام 2002، تاريخ اندلاع أزمة جزيرة ليلى.
الحلقة الثالثة: دراسات المستشرقين الاسبان المغرب مهدت الطريق لاحتلاله
الفنانون الاسبان صوروا المغاربة كمتوحشين ومتخلفين عكس الصورة المتحضرة لأنفسهم
إن غياب المعرفة الكافية بالمغرب، إلى جانب الحضور العسكري والاقتصادي والسياسي الاسباني المتزايد، ساعدا على تكوين نظرة معينة للمغاربة محكومة بالإديولوجيا والمواقف المسبقة، تتداخل فيها الخيالات والشعور بالقوة، بسبب كونها تنطلق من المطالبة باستعادة الأندلس المفقودة التي تحولت إلى اسبانيا من جهة، وانطلاقها من مستوى ثقافي مرتفع عن المغرب في تلك المرحلة من جهة ثانية، مضافة إلى ذلك الصور النمطية التي تشكلت طيلة الفترة ما بين القرنين الثامن والثامن عشر.
لقد خضعت الصورة التي تشكلت عن المغرب في اسبانيا لتأثير الجاذبية التي كانت للاستشراق الأوروبي، والذي اختلق شرقا متخيلا غرائبيا ومتعددا وفوضويا ومطبوعا بالاستبداد المطلق ومرشحا للزوال والأفول. وقد ساهمت هذه الموجة الاستشراقية في ظهور تيار أدبي وفني في اسبانيا، كان له أتباع كثيرون، من بينهم الفنانان التشيكليان الرومانسيان خيرانو بيريز فيياميل (1807-1854) وأوخينيو لوكاس فيلاسكيز(1817-1870)، وأيقظت حرب أفريقيا بين 1859و1960، اهتمام الرسامين الاسبان بالفضاءات والتقاليد والنماذج البشرية المغربية، وشكل ذلك كله حافزا للمستشرقين الإسبان لدراسة المغرب بشكل أكثر واقعية، ممهدين الطريق للهيمنة الإسبانية عليه في وقت لاحق، وكان من بين هؤلاء الفنانين الإسبان ماريانو فورتوني (1838-1874)، الذي أرسلته بلدية برشلونة إلى المغرب لدى اندلاع الحرب مع إسبانيا عام 1860، لكي يكون رساما تابعا للقوات العسكرية الإسبانية إلى جانب الكاتب بيدرو أنطونيو دي ألاركون.
وقد وضع فورتوني عدة لوحات عن المغرب من بينها “معركة تطوان”، وهي اللوحات التي وضعت المغرب في صميم الاستشراق الإسباني. وشيئا فشيئا بدأ الفنانون الإسبان يتقاطرون على المغرب، إما لزيارته أو للإقامة في بعض المدن، أمثال خواكيم دومينغيز بيكير وفرانسيسكو لامايير وإدواردو روساليس وغيرهم.
لقد ساهمت تلك الأعمال الفنية الاستشراقية، إلى جانب الضغط العسكري، في تصوير المغرب كبلد يعيش فيه شعب متخلف ومتوحش وخاضع للحكم المستبد، وذلك عكس الصورة التي يقدمها الإسبان عن أنفسهم كشعب متحضر ومثقف، كما ساهم الفن التشكيلي، إلى جانب الكتب التاريخية والأدبية حول المغرب، في تركيز الصور السلبية عن المسلمين بشكل عام والمغاربة بشكل خاص في اللاوعي الإسباني.
ففي العديد من اللوحات الفنية كانت تظهر القوات الإسبانية، وهي تحتل مناطق مهمة من التراب المغربي، وكان الرسامون يضعون في أماكن من لوحاتهم أعلام الزاوية الحمدوشية، مكرسين بذلك الطابع العنيف والمتطرف للمغاربة في الذهنية الإسبانية.
أما المميزات الأخرى للمغاربة كما عكستها تلك اللوحات الفنية فهي الشبق الجنسي المتجاوز للحدود، مع التركيز على المرأة بشكل خاص. وشكل كل هذا التراث الفني مدرسة استشراقية قروسطية وغرائبية ترتكز على حلم العودة إلى الأندلس، وهي مدرسة تسمى أيضا بالنزعة الإفريقانية في الاستشراق الإسباني. غير أنه يجب التأكيد على أن التدخل العسكري الإسباني المباشر في المغرب والقرب من المغاربة والمعرفة التي تراكمت حول البلاد وفرت نظرة أقرب إلى الواقعية للمغرب، رغم أنها لم تتخلص بشكل نهائي من التصورات والرؤى القديمة المترسبة عن القرون الماضية.
وفي الفترة التي تلت حرب إفريقيا ساهمت المواجهات البحرية التي كانت تقع بين الإسبان في المراكز العسكرية في سبتة ومليلية وبين الريفيين في إعادة إنتاج نفس الصور القديمة للمغاربة والمسلمين، التي تم نحتها خلال الفترة ما بين القرن الخامس عشر والثامن عشر، فمقتل العديد من البحارة والمسافرين الإسبان في عرض البحر ولد في ذهنية الإسبان العاديين والفنانين صورة رهيبة للمغربي أو الشمال إفريقي، كما تعكس ذلك لوحة “موروس الريف أو ثغر الحسيمة”، حيث يظهر الريفيون وهم يتربصون بامرأتين ورجل إسبان سقطوا أسارى بين أيديهم ويتأهبون لقتلهم.