فسحة رمضان.. المغاربة في أعين الاسبان
ظلت صورة المغربي أو المسلم في الذاكرة الاسبانية مرتبطة بكل ما هو سلبي ودموي، منذ خروج العرب من الأندلس عام 1492. وقد خضعت تلك الصورة لعدة تحولات بحسب الظروف السياسية والمناخ الثقافي، لكنها ظلت في عمقها غير إيجابية.
في سلسلة حلقات “المغاربة في أعين الاسبان” التي يعدّها ويترجمها الدكتور إدريس الكنبوري.. تعرض صحيفة “أمَزان24” أهم الصور التي ظهر فيها المغربي في المتخيل الاسباني من عام 1492، تاريخ إنهاء الوجود العربي والإسلامي بغرناطة، آخر معاقل الحضارة الإسلامية بالأندلس، وعام 2002، تاريخ اندلاع أزمة جزيرة ليلى.
الحلقة الثانية: صورة المغربي في المتخيل الاسباني
الاهتمام الاسباني المتزايد بالمغرب في القرن 19 لم تنتج عنه رغبة في التعرف عليه
خلال الفترة بين نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، حصل تحول مهم في المشروع الأوروبي في شمال إفريقيا، إذ بدأت البلدان الأوروبية تحقق حلما قديما بالهيمنة على البلدان الإسلامية في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط، وضمان السيطرة بذلك على الأسواق التجارية والطرق القصيرة والمؤمنة لمراقبة التجارة الأوروبية ـ الآسيوية.
وتحقق ذلك المشروع من خلال جملة من المحطات، من بينها دخول قوات نابليون إلى مصر (1798-1801) واستيلاء بريطانيا على مالطا (1814 ولكن عمليا عام 1802) والمساعدة الأوروبية للأقلية اليونانية ضد الإمبراطورية العثمانية (1821-1829) وغزو الجزائر من قبل الفرنسيين (1830-1839) والحرب الفرنسية ـ المغربية عام 1844 في موقعة إيسلي، وفتح قناة السويس عام 1869، وفرض الحماية الفرنسية على تونس عام 1881، وغزو الإنجليز لمصر عام 1880.
انتهى هذا المسلسل الطويل في الثلث الأول من القرن العشرين، بفرض الحماية الفرنسية والاسبانية على المغرب عام 1912 والحرب الإيطالية ـ التركية وإعلان ليبيا محمية إيطالية عام 1911 وفرض الحماية على مصر تحت مراقبة بريطانيا عام 1914، وأخيرا تصفية الإمبراطورية العثمانية التي كانت تدعى “الرجل المريض” منذ القرن الثامن عشر، والتي قادت إلى ظهور دولة تركيا الحالية وبلدان الشرق الأوسط، والتي أصبحت كلها تقريبا تحت الإدارة الفرنسية أو البريطانية.
بالموازاة مع هذا المسلسل الاستعماري، بدأت تظهر المطامع الاسبانية في الساحل الإفريقي بالنظر إلى عدة عوامل. كان هناك في المقام فقدان اسبانيا مستعمراتها في أمريكا بين 1810 و1826، ما دفع التيارات الاستعمارية إلى البحث عن مناطق أخرى للتعويض، كما برز الشعور بأن فقدان كوبا سيصبح حتميا، وتقوى الاحتمال مع حرب الأعوام العشرة (1868-1878)، فبدأت الدوائر الاستعمارية تتجه بأنظارها نحو مناطق أخرى مثل الفيليبين. وقد أدت الصعوبات التي واجهتها اسبانيا للحفاظ على وجودها في جزر الأنتيل الهولندية إلى نقل رساميلها وإمكانياتها إلى خليج غينيا والساحل الصحراوي والمغرب.
أما العامل الآخر فهو أن الاحتلال الفرنسي للجزائر والرغبة في البحث عن مناطق جديدة، مثل وهران، كان يهم كثيرا سكان فالنسيا ومورسية، ما يفسر كيف أن الحضور الاسباني في المغرب منذ عام 1830 أصبح أكثر وحشية وقساوة، كما توضح ذلك معاهدة طنجة، واتفاق العرائش الذين تما عام 1844 بعد هزيمة إيسلي، واحتلال الجزر الجعفرية قبالة مصب نهر ملوية عام 1848، بهدف الحيلولة دون التوسع الفرنسي نحو الساحل المغربي. غير أن محاولات توسيع النفوذ الاسباني في المغرب كان يصطدم بواقع انقسام الحياة السياسية في اسبانيا، حيث كان هناك أنصار الحكم المطلق مقابل أنصار الليبرالية، والتقليديون مقابل العصريين، كما كان هناك “الكارلوسيون” الذين كانوا يطالبون منذ عام 1833، بعودة ذرية الملك فرناندو السابع للحكم، ومن هنا كان لا بد من توظيف الصراع مع العدو الخارجي لتوحيد الصف الداخلي، فكان المغرب يمنح هذا المبرر لتوحيد الجبهة الوطنية في اسبانيا.
لقد جاء التوسع الاسباني في المغرب، في سياق التوسع الإمبريالي الأوروبي، لاسيما الفرنسي، فبدأت شهية الاسبان تنفتح أكثر على التهام المزيد من الأراضي المغربية. وفي هذا الإطار يلاحظ أن اسبانيا لجأت إلى التوسيع تدريجيا من الرقعة الترابية لسبتة ومليلية بهدف تحويلهما لاحقا، في حالة الحرب مع المغرب، إلى منصة إطلاق قريبة.
إن الاهتمام المتزايد بالمغرب لدى الدوائر الاقتصادية والاسبانية، دفع اسبانيا إلى التدخل أكثر فأكثر في شؤونه الداخلية، باسم “الحقوق التاريخية”، لكن يجب التأكيد هنا على أن هذه الجاذبية، التي مارسها المغرب نحو اسبانيا لم تنتج عنها أي رغبة حقيقية في معرفته معرفة واقعية وعملية، فأكثر المستعربين الإسبان شهرة في ذلك الوقت لم يكونوا يعرفون اللهجة المحلية المغربية.