أشهر قليلة قبيل موعد الاستحقاقات الانتخابية، وجد حزب العدالة والتنمية، الذي يقود التحالف الحكومي، نفسه تائها، بين انتكاساته الداخلية المتمثلة في الاستقالات والتهديد بها، وصراعات خارجية مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، حول تعديلات قوانين الانتخابات، تهدد مستقبله السياسي، وقد تقزم نتائجه فيها.
وتشير المعطيات، إلى أنه في الوقت الذي ستسعد الأحزاب لحملاتها الانتخابية، وإعداد برامجها لإقناع الناخبين، سيجد حزب العدالة والتنمية نفسه بين رأب الصدع، الذي نتج عن صراعاته الداخلية بين قيادييه، ومحاولة الاندماج مع قرب الاستحقاقات الانتخابية، مع الشروط الموضوعية، التي ستفرضها التعديلات، التي جرى إدخالها على القوانين الانتخابية.
استقالات متتالية من حزب العدالة والتنمية، وتلويح قيادات بالانسحاب النهائي منه، ورحيل أعضاء آخرين نحو أحزاب أخرى، خلق جوا من التوتر داخل البيت الداخلي لـ “البيجيدي”، ما لا يخدم مصلحة الحزب، مع قرب موعد الانتخابات، التي توجب تضافر الهمة السياسية وضبط النفس، لاسيما أن هذه السنة انتخابية بامتياز بحسب وزارة الداخلية، إذ سيجرى خلالها “تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية وغرف مهنية، وانتخابات ممثلي المأجورين، ثم مجلسي البرلمان”.
التصدع الداخلي للحزب، تفاقم بعد توقيع سعد الدين العثماني الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل، ما دفع بالقيادي وعمدة الدار البيضاء عبد العزيز العماري بتقديم استقالته، وتجميد المقرئ الإدريسي أبو زيد عضويته في الحزب، في الوقت الذي استقال إدريس الأزمي الإدريسي من الأمانة العامة لـ “البيجيدي” ومن رئاسة مجلسه الوطني، معبرا عن “عدم استساغته واستيعابه لما يحدث داخل حزبه.
وهدد الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، وأحد أعمدته السياسية، عبد الإله بنكيران، بالانسحاب النهائي من عضويته في حال مصادقة أعضاء حزبه على مشروع القانون المتعلق بتقنين استعمالات “الكيف”. وأعلن رئيس اللجنة المركزية لشبيبة الحزب، حسن حمورو نفس موقف بنكيران، كما زاد إعلان استقالة القيادي بالحزب مصطفى الرميد، من مسؤوليته الحكومية من الارتباك الداخلي للحزب، قبل أن يتراجع طاعة للملك محمد السادس.
قياديو “البيجيدي” يعيشون على وقع شد وجذب، بين الأزمة الداخلية والصراعات بسبب قضية “التطبيع” التي لم تنتهي بعد، ثم الجدل حول مشورع القانون المتعلق بالقنب الهندي، وتصويت لجنة الداخلية بمجلس النواب على اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، الذي عبر أعضاء العدالة والتنمية عن رفضه، واعتبروه محاولة لإسقاط الحزب في الانتخابات المرتقبة في شتنبر من السنة الجارية.
النائبة البرلمانية السابقة عن حزب العدالة والتنمية اعتماد الزهيدي، كشفت في تصريح صحافي، أن توالي الاستقالات من الحزب، يتطلب الاعتراف بوجود أزمة داخلية، مبرزة أن استقالتها منه، سببها الإشكالات التي يعرفها على مستوى تدبيره الحكومة، وانحرافه عن إطار مشروعه الحزبي الذي بدأه في انتخابات 2011 و2015 و2016، واصفة حزبها السابق بالازدواجية في طريقة تدبيره ونقاشه لعدة قضايا بين قيادات الحزب، وأيضا ابتعاده عن شروطه الواردة في مذكرة البناء الديمقراطي حول طريقة تدبيره للجماعات الترابية.
في المقابل، قال عضو إدارة حزب العدالة والتمية، لحسن العمراني في مقابلة صحافية، إن استقالات أعضاء من الحزب ليس نذرا على انقسام الحزب، والانقسام لن يحدث أبدا، لأن الصعوبات التي مر منها حزب “المصباح”، أكثر من التي يمر بها حاليا، ولم تؤدي إلى انقسامه، وعلى قياداته السياسية التقاط هذه الإشارات، من كل ما يحدث لتصويب الأمور التنظيمية الداخلية.
من جهته، يرى المحلل السياسي كريم عايش في تصريح لـ”أمَزان24″، أن حزب العدالة والتنمية “صار في وضع لا يسمح له بتوقع الانتصار الساحق، وحصد الأصوات في الانتخابات المقبلة، ليس بسبب نفور الناخبين فقط، بل أيضا بسبب صراعاته الداخلية، التي أفرزت مجموعات مناهضة للقياديين والوزراء، بسبب غرقهم في الامتيازات والمنافع، وتقوّت لديهم الرغبة في الخلود على الكراسي، بدل خدمة الحزب وأفكاره وهويته، ومصلحة الناخبين وأحوالهم”. لذلك، بحسب عايش، “ربما لن يحقق الحزب نفس النتائج السابقة، وسيتقهقر مع الأحزاب التي تمتعت بالحقائب في الحكومات السابقة، والتي أقيل وزراؤها بسبب الفضائح المدوية”.
وأضاف عايش، أن حزب العدالة والتنمية “دخل تنظيريا في منعطف سياسي جديد وخطير. فأمام ملفات كبرى ومصيرية، تهم حاضر المغرب ومستقبله، وإن كانت قيادته تتحدث عن استهداف تاريخي للحزب منذ تأسيسه، فهذا يتناقض مع طبيعة الأساليب السياسية المستعملة لاستمالة الناخبين، ومن تم الطرق المبتكرة في التسيير وفق المنطق نفسه، ما يعاب على كوادر الحزب فيما يتعلق بتسيير الشأن العام، لاسيما قطاعات حكومية اجتماعية، تعمل بقاعدة كم حاجة قضيناها بتركها”.