بعد الفيضانات التي شهدتها الدار البيضاء وطنجة، وخلفت حصيلة ثقيلة، بلغت خلال فاجعة طنجة 29 قتيلا، وخسائر مادية في المدينتين، جاءت فيضانات مدينة تطوان، لتفضح ضعف البنية التحتية، وعدم قدرتها على استيعاب كميات الأمطار الكبيرة، ما أعاد النقاش حول فشل التدبير المفوض إلى الواجهة من جديد.
الرابط الذي يجمع هذه المدن التي شهدت فيضانات كبيرة، بحسب مهتمين، تدبير شركات مستفيدة من عقود التدبير المفوض لسنوات طويلة التطهير السائل فيها. وإذا كانت شركة “ليدك” تقدم خدماتها في مدينة الدار البيضاء، فإن مدينتي طنجة وتطوان تدخلان ضمن مجال خدمة الشركة الفرنسية “أمانديس”. ولهذا فإن أصابع الاتهام تتجه تجاه هذه الشركات، لتحملها جزءا من المسؤولية في الفشل في حماية المواطنين من السيول الجارفة.
وشهدت مدينة تطوان، أول أمس (الاثنين)، فيضانات كبيرة، جرفت مجموعة من السيارات، كما وثقت كاميرات المواطنين جرفها لشخص تحنمل وفاته، فيما لم تخرج السلطات لتعلن أي حصيلة رسمية تؤكد الخسائر، لتطرح من جديد أسئلة حول العقد الذي يجمع شركة “أمانديس” مع جماعة تطوان، التي يرأسها محمد إدعمار المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية.
عقد فوق العادة لـ “أمانديس”
“أمانديس” شركة فرنسية تمثل فرعا من مجموعة فيوليا البيئة، وهي فاعل في مجال الخدمات العمومية، مكلف منذ سنة 2002 بتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء، وجمع ومعالجة المياه المستعملة بطنجة وتطوان.
ومنذ شروعها في العمل، فشلت في الوفاء بالتزاماتها، بعدما تعهدت بتقديم خدمات أفضل لزبنائها، ونهج سياسة الجودة والسلامة والبيئة. فهي تقدم عشرة التزامات أساسية، تتمثل على مستوى ضمان السلامة، في التحكم في التأثيرات والمخاطر بشكل أفضل، وإتقان إدارة الصحة والسلامة، لكن المعطيات الأخيرة أبرزت فشل الشركة في الوفاء بالتزاماتها في هذا الجانب.
وجرّت الفيضانات الأخيرة، اتهامات كبيرة للشركة المفوض لها تدبير قطاع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل، منها اتهامها بالسعي إلى مراكمة الأرباح وتصديرها دون تقديم خدمات ذات جودة للمواطنين، بعدما استفادت من عقود تمتد لسنوات طويلة تقدم لها امتيازات كبيرة.
شركة فوق المحاسبة
ويعتبر كثيرون أن هذه الشركات توجد فوق المحاسبة، والدليل أن مراجعة العقد لم تتم طيلة عشرين سنة إلا مرة واحدة سنة 2016، ما يعني أنها كانت بعيدة عن الرقابة. فالعقد يتضمن مدخلا وحيدا فقط لتغريم الشركة، جرى تحديده في حال وقوع حرب، كما أنها كانت تقتسم الأرباح بالتساوي مع الجماعات المفوضة، الأمر الذي جرّ انتقادات كبيرة ضد الطريقة التي تم بها تفويت قطاع في غاية الأهمية بالنسبة إلى المغاربة.
غلاء فواتير الماء والكهرباء، كان سبب في احتجاجات كبيرة بمدن الشمال سنة 2015، ومنذ ذلك الحين، انتشرت طيلة سنوات دعوات للاحتجاج ضد الشركة، بسبب سوء خدماتها وارتفاع أثمنتها، ما جعل كثيرين يطالبون بتفويت هذه القطاعات لشركات مغربية، أو أن يعود المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب لتدبيرها.
وفي حين مازالت شركة “أمانديس” مستمرة في تدبير القطاع إلى غاية سنة 2026، تنتشر مطالب بضرورة تشديد المراقبة عليها للوفاء بالتزاماتها في صيانة البنيات التحتية وتطويرها، حتى لا تقع مثل هذه المخاطر التي شهدتها مدن الشمال، والتي كانت حصيلتها ثقيلة، وأن يتم تغريمها عن الخسائر التي يتسبب فيها سوء تدبيرها.
فشل التدبير المفوض..
يجمع الكثير من المحللين الاقتصاديين والسياسيين على أن التدبير المفوض لمجموعة من القطاعات الحيوية، منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، كانت حصيلته هزيلة وغير مشرفة، وأنه كان من الأجدر للدولة ألا تسلم هذه القطاعات لشركات همها الأساسي مراكمة الأرباح وتصديرها إلى الشركات الأم في بلدان المنشأ.
وحول هذه النقطة بالأساس، أفاد المحلل الاقتصادي نجيب أقصبي، في مقطع فيديو شاركه في صفحته في “فايسبوك”، أن هذه الشركات استفادت من عقود بطريقة غير مفهومة، ما جعلها تعتقد أنها فوق المحاسبة، لأنها ترتبط بعلاقات قوية مع من فوضوا لها تدبير هذه القطاعات، وبالتالي وضعت أمام عينيها جني المزيد من الأرباح دون تقديم التزامات. وفي هذا الجانب استحضر أقصبي الفرق الشاسع بين الأسعار في المدن، التي يدبرها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وبين المدن التي تسيرها هذه الشركات.
وأضاف أقصبي مفسرا أنه ليس ضد التدبير المفوض أو خوصصة بعض القطاعات، لأنها مسألة ضرورية للدولة، لكن شريطة أن يكون ذلك من أجل تقديم الأفضل والأجود، وليس لتقديم خدمات أكثر سوءا بأسعار مرتفعة، تستفيد منها شركات بعيدة عن المراقبة والمحاسبة.
وانتعشت خلال الآونة الأخيرة، مطالب بعودة الدولة إلى القطاعات الاجتماعية لتدبيرها، أو فسح المجال للشركات المغربية للقيام بهذه الخدمات، مع عدم الوقوع في نفس الخطأ، بتجديد العقد لشركات تراكم الملايير سنويا، وتقدم خدمات دون المستوى مع نسبة مخاطر مرتفعة تهدد ملايين المواطنين.