على الرغم من الطبيعة غير الربحية لجمعيات المجتمع المدني، وسعيها لتحقيق المنفعة العامة، إلا أن العديد من القوانين تستمر في “خنقها”، ما يحول دون قيامها بأدوارها بالكيفية المطلوبة. الوضع دفع أزيد من ألف جمعية مدنية لمواصلة حملتها الترافعية، للسنة الثالثة على التوالي، من أجل توفير مناخ قانوني ملائم للجمعيات، وتأمين منظومة جبائية محفزة، وتمكينها من أداء أدوارها كفاعل في بناء تجربة الديمقراطية التشاركية، باعتبارها شريكا في صناعة القرار العمومي.
وفي الوقت الذي تطرُق فيه هذه الجمعيات مختلف الأبواب، بعدما التأمت في إطار حركة مبادرات من أجل إصلاح المنظومة القانونية للجمعيات بالمغرب، المعروفة اختصارا بـ “ميرلا”، تستمر الجهات المسؤولة في تجاهل هذه المطالب، ما يعمق أزمة العمل الجمعوي بالمغرب، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مساهمين من مواقع مختلفة، في الإجابة عن الإشكاليات الاجتماعية.
وبينما كشفت ظروف جائحة “كوفيد19″، الدور الإيجابي للمجتمع المدني، ومساهمته الفعالة في التصدي للجائحة وتداعياتها، بمختلف الطرق، مازالت قوانين كثيرة تستنزف طاقات الجمعيات، وتحجم دورها في المجتمع، سواء تلك المتعلقة بالضرائب، أو قانون التبرع، وقانون التشاور العمومي، أو تلك التي تخض قانون تأسيس الجمعيات.
وسبق لحركة “ميرلا”، التي تضم أزيد من ألف جمعية، والتي تأسست سنة 2018، انطلاقا من خمس منظمات مغربية وسيطة، أن أطلقت حملات عبر مراسلة رئاسة الحكومة وبرلمانيين، إضافة إلى إطلاق دينامية اجتماعية، هدفها التعريف بهذه المطالب، استهدفت رجال الإعلام، من أجل توضيح رؤية الجمعيات لمجموعة من القوانين وتقديم التعديلات التي تقترحها، والتي تراهن عليها في المزيد من تحفيز الجمعيات على القيام بأدوارها.
ضريبة على عمل غير ربحي!
على المستوى الضريبي، مازال القانون المغربي لا يميز بين الجمعيات المدنية، ذات الطبيعة غير الربحية، والشركات والمقاولات الاقتصادية، ما جعلها تعتبره ضمن أولويات المطالب التي ترفعها، والتي أكدت عليها عبر حملتها الترافعية، من أجل نظام جبائي عادل ومنصف للجمعيات في قانون المالية 2021.
وأكدت الجمعيات، خلال حملتها الترافعية، على أن “أي عبء جبائي سيتم رفعه عن الجمعيات، سيمكنها من إعادة استثماره مباشرة في خدمة المجتمع، لما فيه مصلحة المواطنات والمواطنين، لاسيما الفئات المقصية اجتماعيا، وسيدعم مساهمتها في الجهود الوطنية التنموية وإرساء الديموقراطية بكل أبعادها، لأن الجمعيات لا تهدف إلى الربح”.
وركزت حركة “ميرلا” في حملتها على ثلاثة محاور أساسية للتعديلات التي تعتبرها أولوية، والتي يندرج في إطارها سبعة مطالب تهم تعديل وتتميم ثلاثة مواد من مشروع القانون 65.20 للسنة المالية 2021، وهي المادة الثالثة المتعلقة بتعديلات مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، والمادة السادسة التي تتناول تعديل مواد من المدونة العامة للضرائب، والمادة 267 من القسم الثالث المخصص المساهمة الاجتماعية للتضامن.
وتتجلى مطالب الجمعيات، التي لم تؤخذ بعين الاعتبار خلال قانون مالية 2021، في “إعفاء الجمعيات من الحقوق الجمركية والرسوم الأخرى المفروضة على الاستيراد والبعائث اللازمة لنشاطها، وما تتلقاه من هبات ومعونات من الخارج”، “وتخفيف العبء الضريبي على الجمعيات وضمان المساواة بين جميع الجمعيات في الاستفادة من الإعفاءات الواردة بمدونة الضرائب”، مع “استثناء الجمعيات من المساهمة الاجتماعية للتضامن على الدخول”.
قانون التأسيس متخلف
بينما جاء دستور 2011 ليملأ فراغا كبيرا، ويعيد للجمعيات مكانتها، من خلال تنصيصه على “المجتمع المدني وعلى أدواره في تأطير المواطنين والمواطنات والتنمية، وعلى التزام الدولة بحرية تأسيس وعمل الجمعيات”، بقي قانون تأسيس الجمعيات بالمغرب متأخرا عن منطوق الدستور، ما جعل الحملة الترافعية للجمعيات تشمل هذا الجانب أيضا.
وتطالب الجمعيات المدنية، من خلال حركة “ميرلا”، بـ “إضافة تصدير أو باب خاص “بالمقتضيات التمهيدية”، بهدف الإحالة على دستور 2011، من حيث تنصيصه على المجتمع المدني، وعلى أدواره في تأطير المواطنين والمواطنات والتنمية، وينص على التزام الدولة بحرية تأسيس وعمل الجمعيات”، علاوة على “إضافة فصول عامة تكرس الخيارات الدستورية في مجال مشاركة الجمعيات في التشاور العمومي، وفي رسم وتقييم السياسات العمومية”.
وحددت الجمعيات مجموعة من التعديلات المطلوبة، التي جاءت في 16 نقطة، من بينها “إعادة صياغة تعريف الجمعيات من اتفاق إلى هيئة تقوم على الطوعية والحرية، ما بين أشخاص طبيعيين أو اعتباريين”، وكذا “تغيير الجهة المخولة، بتلقي التصريح من الإدارة إلى القضاء؛ أو الإبقاء على الاختصاص الإداري، مع ضبط سلطاته وتحديدها بآجال دقيقة”، و”التنصيص على حق الجمعيات في العمل بحرية ودون تضييق”، والتنصيص على اختصاص القضاء وحده في جل الجمعيات وتجميد أرصدتها”.
وتروم الجمعيات في حملتها، إضافة فصل يلزم الجمعيات بالتدبير المالي القانوني والشفاف، مع إضافة مقتضى لضبط التمويلات الأجنبية، والاعتراف للجمعيات بحق الانتصاب كطرف مدني في القضايا المعروضة على المحاكم، التي تهم مجال اشتغالها، وإضافة فصل يتم بموجبه إحداث سجل وطني للجمعيات، إضافة إلى مجموعة من المطالب الأخرى، التي تسعى إلى جعل قانون تأسيس الجمعيات أكثر ملائمة للمقتضيات الدستورية، بما يخدم المجتمع المغربي عبر تشجيع فعالياته المدنية.
تخوفات من قانون التبرع
يعد التبرع العمومي من بين الأنشطة التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني، لكن القانون 18.18 المتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، الذي تمت المصادقة عليه خلال الأشهر الماضية، جاء ليطرح مزيدا من التخوفات على الجمعيات المدنية، الأمر الذي جعل هذا الجانب من صميم المطالب التي تدور حولها الحملة الترافعية لحركة “ميرلا”.
وعلى مستوى الأنشطة والبرامج والمشاريع المستهدفة، تركز الجمعيات المدنية على ضرورة “تبني صيغة عامة للجمعيات لا يفهم منها استثناء أي فئة منها بحسب مجال تدخلها”، إضافة إلى “تبني صيغة عامة تهم كل المشاريع والأنشطة دون استثناء، بما يحفظ حرية عمل الجمعيات والولوج إلى التمويلات”.
أما فيما يخص طرق جمع التبرعات، دعت الجمعيات المدنية، إلى تدقيق مفهوم الطرق “التقليدية والعرفية” لجمع التبرعات، وتشدد كذلك على ضرورة “استبدال نظام الترخيص بنظام الإخطار أو التصريح المسبق في أجل شهر على الأقل”، وإعطاء الصلاحية للقضاء، لمنع عملية جمع التبرعات بناء على طعن إداري.
وعلى مستوى استخدام التبرعات التي يتم جمعها، طالبت الجمعيات أيضا بتدقيق مفهوم المصاريف “الدنيا” اللازمة لتغطية المصاريف الإدارية للعملية، أو حذف هذا المقتضى نهائيا”، واعتماد مبدأ التدرج في إنزال العقوبات، والبدء بإنذار الجمعيات المخالفة، مع تقليص مبالغ المخالفات، تمديد الآجال أمام الجمعيات لتقديم التقارير.
التشاور العمومي
مطالب حركة ميرلا، شملت أيضا مذكرة مقترح قانون التشاور العمومي، والتي تصبو من خلالها جمعيات المجتمع المدني، إلى “إلزام السلطات العامة بعقد الحوار التشاور العمومي في عملية صياغة القوانين والأنظمة القانونية؛ والسياسات العمومية الوطنية والترابية، بغرض أخذ الرأي العام في الاعتبار، وفقا للمبادئ المنصوص عليها في هذا القانون”.
ويهدف التشاور العمومي، بحسب المذكرة، إلى تحقيق تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل بين السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة، والجهات الفاعلة الاجتماعية والاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني والمواطنات والمواطنين، وتنظيم عملية الحوار والتشاور العمومي لصياغة القوانين، وصياغة القوانين والسياسات والبرامج العمومية، وضمان المشاركة الواسعة والمؤثرة في عمليات صياغة السياسات العمومية وصنع القرار.
ويبتغي مقترح القانون المذكور، الذي جاء في ستة أبواب و45 مادة، تشجيع الشفافية والمساءلة ونزاهة السلطات العمومية، وتعزيز قدرة منظمات المجتمع المدني على توجيه وتحسين فعالية الأداء العام والسياسات العامة، إضافة إلى تعزيز مبدأ التعاقد بين الأطراف، قائم على قواعد جديدة للحكم وكفاءة في الأداء.