على بعد أشهر من الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية، مازالت المشاورات حول القوانين الانتخابية مستمرة، في الوقت الذي تشير التوقعات، إلى أن التصويت على التعديلات التي ستجرى بشأنها ستكون في دورة برلمانية استثنائية، لحسم الجدل القائم بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، خصوصا العدالة والتنمية، الذي يستفيد من النظام الانتخابي الحالي، ويتشبث برفض إصلاحه.
وبينما كانت التحليلات تشير إلى أن اكتساحه الانتخابات الجماعية والجهوية، وحصوله على رئاسة عدد كبير من مجالس الجماعات والجهات، راجع إلى استفادته من أصوات الطبقة المتوسطة، التي تنضاف إلى قاعدته الانتخابية، يتبين أن عدد الأصوات التي يحصل عليها، يعود إلى نمط الاقتراع المعمول به.
ولفهم ذلك، وجبت العودة إلى دراسة أنجزها مركز دراسات، أثبت أن حزب العدالة والتنمية، يستفيد من النظام الانتخابي المعمول به في المغرب، ولذلك يرفض القيام بإصلاح القوانين الانتخابية، وأكد وجود علاقة سببية بين نظام الاقتراع والأداء الانتخابي للأحزاب، فكلما كان الاقتراع بالتمثيل النسبي (اللائحة) تضاعفت نتائج “البيجيدي”، بينما تنخفض نتائجه في حال نظام الاقتراع بالأغلبية (الفردي).
واعتمدت دراسة قدمها مركز “طفرة” سنة 2013، وأنجزها الباحثان ميكيل بيليسر وإيفا ويغنر، وتناولت مسألة نمط الاقتراع المعمول به في المغرب وآثاره على الأداء الانتخابي للأحزاب المغربية، بيانات الانتخابات لسنة 2003، وهي السنة التي شهدت إدراج قاعدة العتبة السكانية، أي القاعدة التي يتم بموجبها إجراء الانتخابات الجماعية عن طريق الاقتراع بالأغلبية في المدن التي يقل عدد سكانها عن 25.000 نسمة، وعن طريق الاقتراع بالتمثيل النسبي بناءً على قائمة مغلقة في المدن، التي يزيد عدد سكانها عن 25.000 نسمة. وفي سنة 2009 تم رفع هذه العتبة إلى 35.000 نسمة.
وأوضحت الدراسة أن التحديد الكمي، لأثر نظام الاقتراع على أداء الأحزاب، يعدّ تمرينا أكثر تعقيدا مما قد يبدو عليه الأمر للوهلة الأولى. وعلى وجه الخصوص، فإن مقارنة أداء حزب ما على مستوى سائر المدن التي يزيد عدد سكانها عن 35.000 نسمة وجميع المدن التي يقل عدد سكانها عن 35.000 نسمة ينطوي على قدر من التحيز. فعلى سبيل المثال، الأداء الجيد لحزب العدالة والتنمية في المدن التي يزيد عدد سكانها عن 35.000 نسمة لا يعكس بالضرورة أثر نظام الاقتراع، لكنه قد يشير إلى أن حزب العدالة والتنمية أكثر جاذبية بالنسبة للناخبين في المناطق الحضرية.
لكن الباحثَين يتغلبان على هذه الصعوبة عن طريق مقارنة المدن التي يزيد عدد سكانها قليلا عن 35 ألف نسمة بالمدن، التي يقل عدد سكانها قليلا عن 000 35 نسمة. فهذه المدن متشابهة للغاية باستثناء نظام الاقتراع، الشيء الذي يسمح بعزل تأثيره السببي عن عوامل أخرى، مثل الخصائص السوسيو-اقتصادية.
ومن خلال إعادة احتساب نتائج الانتخابات لسنة 2003 بناء على نمط الاقتراع بالتمثيل الحزبي، يتضح أن العدالة والتنمية ترتفع نتائجه بشكل كبير، بينما تنخفض نتائج الأحزاب الإدارية وأحزاب الكتلة بشكل واضح، وينطبق الأمر عينه على انتخابات 2009، فقد خسرت الأحزاب الإدارية حوالي 5 في المائة من المقاعد في المدن الخاضعة لنظام الاقتراع بالتمثيل النسبي، عقب تجاوز عتبة 35.000 نسمة، أي ما يعادل تراجعا بنسبة الثلث. وعلى العكس من ذلك، استفاد حزب العدالة والتنمية من ارتفاع يناهز 6 في المائة، وبالتالي ضاعف حصته من المقاعد. وتشكل أحزاب الكتلة الاستثناء الوحيد في ظل هذه التوجهات حيث أنها لم تتأثر في سنة 2009.
ويعزو الباحثان أسباب التقلب في النتائج، إلى المقاربات المتباينة التي تعتمدها الأحزاب من حيث أساليب إجراء الحملات الانتخابية. فالأحزاب الإدارية تميل إلى حملات تتمحور حول راعِ أو مترشح محلي، بينما تلجأ أحزاب الكتلة وحزب العدالة والتنمية إلى برنامج سياسي. وتضيف الدراسة أنه في نظام الاقتراع بالأغلبية، فإن الناخبين الانتهازيين، أي الذين يولون أهمية أكبر للمزايا التي وعدهم بها راعيهم مقارنة بالمقترحات العامة لبرنامج سياسي معين، يصوتون لفائدة الأحزاب الإدارية. أما في نظام الاقتراع بالتمثيل النسبي، سيكون لهؤلاء “الانتهازيين” أنفسهم مصلحة أكبر في التحول إلى الأحزاب المرتكزة على برنامج انتخابي.
ويضيف الباحثان، أنه غالبا ما تكون المنافع التي يقدمها المترشح بدائرة ما داخل الجماعة، وإذا كان في أسفل القائمة التي قدمها الحزب فمن غير المرجح أن يحصل على مقعد، حتى ولو تم انتخاب القائمة، ما من شأنه أن يدفع الناخبين – الذين يتوقعون إخفاق مرشحهم في الظفر بمقعد – إلى اللجوء إلى الأحزاب التي تقدم برنامجا سياسيا أكثر تماسكا، ما يؤدي إلى تراجع أداء الأحزاب الإدارية.
نتائج هده الدراسة، تفسر التباين في مواقف الأحزاب من تعديل القوانين الانتخابية، إذ يقدم كل من الاستقلال والأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية مذكرة ترمي إلى مراجعة القوانين الانتخابية، وتقترح هذه الأحزاب زيادة الحصة المخصصة للاقتراع الفردي (المرشح الوحيد) من خلال توسيعه ليشمل الجماعات التي يصل عدد سكانها إلى 50.000 نسمة. وذهب الاتحاد الدستوري إلى أبعد من ذلك، إذ اقترح أن يشمل الاقتراع الفردي الجماعات التي يصل عدد سكانها إلى 100.000 نسمة. أما من جهته، فيدافع حزب العدالة والتنمية على عكس ذلك تماما، مقترحا حصر الاقتراع الفردي في الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 20.000 نسمة، في انتظار ما سيتم التوافق حوله، أو “فرضه” في البرلمان.